قال الناقد السينمائي محمد بنعزيز إن فيلم “Hack Your Health: The Secrets of Your Gut 2024” لمخرجه Anjali Nayar يحمل رسالة إنسانية تذكر المشاهد بأن العالم غير عادل البتة، حيث هناك أناس يموتون جوعا وآخرون يشتكون من أضرار وفرة الطعام التي تضر جهازهم الهضمي، لافتا إلى أن “الفيلم ركز فقط على أمعاء المتخمين أي من يأكلون من أجل الاستمتاع، فيما تم تغييب قصرا النوع الذي يأكل لكي يبقى حيا”.
وأوضح الناقد المغربي، في مقال توصلت به جريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “الفيلم يسرد مقارنة بصرية باطنية بين أمعاء فرد يقطن مدينة أمريكية كبيرة وبطن قروي في مملكة النيبال، بحيث يحاول الفيلم إقناعنا بأن البكتيريا كانت أكثر تنوعا في أمعاء النيبالي؛ لأنه يتناولون مواد مصنعة أقل”، مشيرا إلى أن “رسالة الفيلم تقتصر على كلما نوعت طعامك كلما تنوعت البكتيريا التي تستوطن أمعاءك”.
وسجل بنعزيز أن “الفيلم ركز أيضا على دور الكاميرا الرقمية التي جعلت الطب الباطني برانيا مرئيا، حيث تجسد انتقال الطبيب من سماع صوت الأمعاء إلى مشاهدة صور المجتمع البكتيري الذي يسكن أمعاءنا”، مبرزا أن “الكاميرا باتت الوسيط الذي يرفع المستمع إلى مرتبة الشاهد، وصارت عين الطبيب في البطن”.
نص المقال:
الكاميرا وسيط خطر يقتحم كل الأمكنة. مكنت الكاميرا وهي سيدة الوسائط طالبة طب متبرجزة محكي سيرة أمعائها وأمعاء أشباهها. ( فيلم Hack Your Health: The Secrets of Your Gut 2024 إخراج Anjali Nayar على نيفليكس) . تعاني من الألم ومن صعوبة اختيار الطعام:
شوكولاطة أم كرنب؟
هناك في هذا العالم غير العادل بشر يموتون جوعا، وبشر يشتكون من أضرار وفرة الطعام المضر بجهازهم الهضمي. هناك من يأكل ليستمتع، وهنالك من يأكل لكي يبقى حيا… النوع الثاني لا مكان له في الفيلم الذي يركز على أمعاء المتخمين.
يقدم الجانب البصري للفيلم الأمعاء البشرية من الداخل بألوان زاهية وبلا رائحة. تستمتع العين بالمشاهد المعطاة من نظرة واحدة. للتوضيح، تجري مقارنة بصرية باطنية بين أمعاء فرد يقطن مدينة أمريكية كبيرة وبطن قروي في مملكة النيبال. كانت البكتيريا أكثر تنوعا في أمعاء النيبالي؛ لأنه يتناولون مواد مصنعة أقل.
رسالة الفيلم هي: نوّع طعامك لكي تنوّع البكتيريا التي تستوطن أمعاءك؛ وهي تصور المجتمع البكتيري الذي يسكن أمعاءنا، جعلت الكاميرا الرقمية الطب الباطني برانيا مرئيا. انتقل الطبيب من سماع صوت الأمعاء إلى رؤيتها. الكاميرا هي الوسيط الذي يرفع المستمع إلى مرتبة الشاهد. صارت الكاميرا عين الطبيب في البطن.
جسم الفيلم الحرب
تنطلق الخلايا المناعية في حرب مستمرة لإبادة أعداء الجهاز الهضمي… عرض الغرافيزم علب الأدوية كطائرات تسقط عقاقير في أمعاء البشر… للخروج من الواقع الفظيع زرعت باكتيريا توأمين في أمعاء فأرين… تم تجسيم الصراع بين البكتيريا وبين الخلايا المناعية ليلائم عين الكاميرا، هكذا يتابع المشاهدون حكاية خيالية – حقيقية تجري أمام الكاميرا….
اقتحمت الكاميرا وهي وسيط جماهيري مجال في الطب النخبوي. يستخدم الفيلم التصميم الجرافيكي المجسم ثلاثي الأبعاد للشرح، تحولت الأمعاء إلى أنفاق ملونة رسومات، وخطوط… صار الرسم المحوسب بالصور لتوضيح، هكذا جرى إيصال المعلومة إلى العين. يمكن لعمل الكاميرا الرقمية أن يغير تعليم الطب. ويمكن للهاتف أن يهدد مهنة الطبيب. حاليا، يأكل الفرد ويقيس السكر في دمه بواسطة هاتفه… صار الهاتف مختبرا طبيا.
هذا الوثائقي تعِلّة للتأمل في أن الجوع لا يجد ناطقين باسمه. تملي الأنترنيت على الأغنياء ما سيأكلونه… بينما يأكل الفقراء ما يتوفر.
يأكل الفقراء الكثير من الخبز الدقيق المحلى بالسكر الصناعي، هذا كارثي للصحة. هذا فيلم عن أفراد في مجتمع الوفرة لديهم ما يكفي من الطعام ومشكلتهم هي الاختيار.
شوكولاطة ومثلجات وبيتزا… في النهاية، يصير البطن مشكلة. وقع تغير في السوبر ماركت. انتقلت الأهمية من جناح الشاشات والهواتف إلى جهة الأطعمة “بيو”.
كلما قل تنوع الطعام كثرت أمراض الجهاز الهضمي. يحكي عن ملكٍ داهية كان يسجن خصومه ويقدم لهم الطعام نفسه إلى أن يموتوا. يموتون في أقل من شهر بسبب الافتقار إلى البكتيريا الجيدة والمتنوعة… كيف عرف الملك ذلك؟
بالتجربة والنتيجة
يحتاج الدماغ التنوع الغذائي نفسه الذي تحتاجه الأمعاء لكي لا يفتقر الخيال.
هذا فيلم بالذكاء الصناعي عن أقدم موضوع خبزي مجسم. كيف يقود البطن حياة الفرد؟
تتجول البكتيريا في الأمعاء كما تتجول السيارات في الشوارع. الميكروبات الطبيعية أكثر تنوعا…. حين يتحول هذا إلى جرافيزم يثمر خريطة الميكروبات أعقد من لوحة تشكيلية انطباعية.
يبدأ الفيلم بمقارنة ساخرة: يراقب البشر القمر والكسوف مطولا، نادرا ما يراقبون أمعاءهم التي تضخ الطاقة في ركبهم التي تحملهم.
ما الذي يجري في البطن؟
تأخر التفكير في الجواب. لقد اهتم الشاب زرادشت بالناس وبالشيطان، ولم يأكل حتى ذكّره الجوع بحقيقته. لم يفكر الفيلسوف والشاعر اللذان يأكلان في صحن الأمير في الجوع، كانا يتغنيان بالإرادة والحلم.
إن الكوجيتو الخُبزي: “أنا آكل يوميا أنا حي” سابق زمنيا على الكوجيتو الفلسفي: “أنا أفكر إذن أنا موجود”.
لا تستطيع الكاميرا تصوير ما يسميه النسل الفلسفي “الملذات العقلية السقراطية”؛ لكنها تستطيع تصوير الملذات الحسية، مثل الغواية والتفاحة المعضوضة. حاليا، صُوّر الوجبات في اللوحات الإعلانية في الفضاء العام أضخم من حجمها في صحون المطاعم.
لقد رفض الفلاسفة المصابون بهوس التجريد سماع صوت الحواس، ومجدوا الروح والكينونة ثم ذكرتهم معدة زرادشت بحقيقتهم.
ما الذي صنع الجانب الفني للفيلم؟
الكاميرا التي تخلد ما تلتقطه دون أن تَعرفه أو تقيّمه. تصور الميلاد والموت والحب…
الكاميرا وسيط تصويري يسرد بالحواس للحواس. تصوير الأكل ساحر. كل البشر يأكلون يوميا، مشكوك أن قلة التفكير تزعجهم كما يرعبهم قلة الطعام.
تم تجسيم الجهاز الهضمي لكي تراقبه الكاميرا، يشعر المشاهد بأنه يتسكع في أمعاء البشر…أمعاء قذرة نقاها الذكاء الصناعي وجملها.
المعدة هي مدخل التحكم في الوزن والسكري… كل العزاب مصابون بآلام المعدة. عدد العزاب يتزايد عالميا؛ لذا يشتد الزحام في عيادات أطباء الجهاز الهضمي. وسيشتد في الدول الإسلامية، بعد كل عيد أضحى.
يمكن للمعدة أن تفسر الكثير؛ لكن لن يغامر أي مهرجان سينمائي ببرمجة هذا الفيلم الوثائقي حول الطعام.
لكن لو غابت حفلات العشاء عن أي مهرجان سيتعرض للمقاطعة والتشهير. في كل المهرجانات، لا يحضر الكثيرون عروض الأفلام؛ لكن لا يقاطعون الوجبات.
بالنظر إلى البشر من طول أمعائهم فكلهم متساوون؛ لكن لا مساواة في الحجم والصحة. كل ما يؤكل يؤثر على حجم الأمعاء وفعاليتها كآلة.
تبدأ الفوارق الطبقية من الصحون. لا يمكن لجائع أن يكون وسيما.