أيام معدودات تفصل قطاع السياحة الوطنية عن فترة الذروة التي يرتقب هذه السنة أن تحقق نتائج مهمة تكملة للأرقام التي جرى تحقيقها خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة، وسط آمال تجاوز حجم السياح ما هو متوقع، ما يثير مسألة استفادة المجال القروي بدوره من هذه الدينامية المرتقبة، بشكل يُكمل المجال الحضري ويدعم الاقتصاد الاجتماعي المحلي.
وتتجدد النداءات في هذا الصدد من أجل العمل على تحقيق نوع من التوازن بين الحواضر والمجال القروي، من خلال التوزيع العادل للسياح الوافدين على مختلف ربوع المملكة، عوضا عن تركيز المجهودات السياحية لصالح أقطاب حضرية بعينها، بما يفوت الفرصة على العالم القروي من الاستفادة من الآثار الاقتصادية الإيجابية التي تساهم في تحقيقها على الخصوص فترةُ الذروة الصيفية.
وفي هذا الصدد جرى توقيع اتفاقية شراكة بين الشركة المغربية للهندسة السياحية والرائد السياحي العالمي “كلود ميد”، تروم دعم قرى على الصعيد الوطني سيجري انتقاؤها بهدف “تطوير عرض سياحي صديق للبيئة، وتثمين المؤهلات السياحية والإمكانات الطبيعية الخاصة بها، بما يعزز تموقع القرى المغربية على الساحة السياحية الدولية”.
في سياق متصل بدأت المؤسسات الرسمية الوصية على السياحة بجهة سوس ماسة إطلاق حملات ترويجية تروم التعريف بالمجال القروي بالجهة، الذي يعرف وجهات سياحية مهمة تُكمّل مدينة أكادير كقطب للسياحة بالجهة. وتهم هذه الحملات دعوة السياح عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى زيارة الثغور السياحية القروية، من خلال وسائط رقمية تتضمن وسم “زوروا المغرب القروي”، مُصاغة بالإنجليزية.
استفادة مرتقبة
الزبير بوحوت، فاعل وخبير سياحي، قال إن “المعلوم أن النشاط السياحي في العالم يتركز بالأساس في الحواضر، باعتبار توفرها على البنيات التحتية الأساسية، كالمطارات والطرق، وبالتالي غالبا ما تكون المستفيد الأول من البرمجة السياحية، إلا أن هذا لا يمنع أيضا من استفادة العالم القروي والسياحة القروية على هذا المستوى، إذ يمكن أن تشكل المدن خزانا سياحيا للمناطق المجاورة بأفواج من السياح”، موضحا أن “المنتج السياحي القروي هو مكمل لنظيره الحضري وليس منافسا له”.
وأضاف بوحوت، في تصريح لجريدة النهار، أن “النمو المطرد للقطاع السياحي العالمي وفرص الشغل العديدة التي يوفرها، وتصل إلى نسبة 25 في المائة من مجموع الوظائف في العالم، أضف إلى ذلك المشاكل التي يعرفها العالم القروي في المغرب، الذي يعتمد على النشاط الفلاحي، من حيث ارتفاع حدة التأثيرات المناخية وتنامي ظاهرة الهجرة القروية، أمور أصبحت تفرض على المملكة تنسيق جهود مختلف المؤسسات والمتدخلين من أجل تعزيز السياحة القروية، وبالتالي الحفاظ على المقومات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لهذا المجال الذي يمثل حوالي 70 في المائة من مساحة البلاد”.
وأوضح الخبير السياحي ذاته أن “تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي، خاصة في ظل إقرار خارطة الطريق المتعلقة بالقطاع السياحي والرهانات الكبرى التي تروم تحقيقها، يفرض انخراط جميع المؤسسات، بما فيها المجالس المنتخبة والمجالس الإقليمية ومجالس الجهات ووكالات الأسفار وغيرها، من أجل تشجيع السياحة القروية وتشجيع حاملي المشاريع والمقاولات على الاستثمار في النسيج السياحي القروي، لأن هذا الأخير يوفر فرصا كبيرة، سواء على مستوى التشغيل أو على مستوى تنويع العرض السياحي، وأيضا على مستوى إنعاش الدورة الاقتصادية للمناطق القروية بالمغرب، التي تضم فضاءات سياحية يجب التعريف بها والعمل على جذب السياح إليها”.
مجال جدير بالعناية
محمد بامنصور، رئيس الفيدرالية الوطنية للنقل السياحي، قال إنه “من الواجب اليوم العمل على أرض الواقع من أجل توزيع السياح بعدل بين مختلف المناطق المؤهلة للاستقطاب السياحي على مستوى التراب الوطني، أي مختلف الوجهات التي تتوفر على البنية التحتية اللازمة للتنقل وحفظ راحة السائح الأجنبي تحديدا”.
وأضاف بامنصور، في تصريح لجريدة النهار، أن “تمركز الزبون سواء في مراكش أو أكادير أو الحواضر الكبرى لا يخلق قيمة مضافة عليا كما يخلقها عند مغادرته هذه الأوساط إلى العالم القروي”، وزاد موضحا: “على سبيل المثال ليس لدينا نحن كمهنيي النقل السياحي ربح في حالة تمركز السائح في مناطق بحد ذاتها، بينما يتحقق الربح لدينا عندما يحدث العكس”، لافتا إلى أن “المناطق القروية هي الأخرى تحتاج إلى نسبة محترمة من السياح الذين يفدون على البلاد كل سنة”.
وبيّن المتحدث ذاته أن “انتقال السياح صوب المجال القروي يخلق معه الإضافة الاقتصادية للمرشدين السياحيين ومهنيي النقل كذلك، فضلا عن أصحاب البنيات التحتية السياحية القروية، خصوصا بالمناطق التي تعتمد على عوائد السياحة المحلية”، متابعا: “رغم كل الأرقام المهمة التي سجلها المغرب إلا أن العالم القروي لم يصل بعد إلى الاستفادة من نسبة الوفود السياحية المهمة التي تفد على المغرب خلال السنوات الأخيرة”.
وأورد بامنصور أن “فترة الصيف التي تتسم بالذروة السياحية تُذكر بضرورة إعادة النظر في واقع المطارات الواقعة بعدد من الجهات التي تمثل العالم القروي في مجملها، ما بإمكانه تحقيق التوازن بينه وبين العالم الحضري”، مردفا بأن “لوكالات الأسفار بدورها دخل في الموضوع، وتبقى مدعوة إلى الترويج للمناطق السياحية التي يحتضنها العالم القروي وإخراجها من النطاق الذي يجعلها غير معروفة لدى الأجانب من السياح”.
وقال رئيس الفيدرالية الوطنية للنقل السياحي إن “عددا من السياح الأجانب عادة ما لا يقدمون على اقتناء البرامج السياحية التي تشمل الجولات السياحية إلى المناطق القروية، في وقت يتم الاقتصار على المناطق الحضرية المحيطة بالفنادق وأماكن الإقامة؛ الأمر الذي يحرم المجال القروي من عوائد سياحية مهمة تحتاجها الساكنة القاطنة على مستواه”.