العلاقات الاستراتيجية تقرب المغرب من تعويض “أسمدة روسيا” في بريطانيا

كشفت وزارة الدولة للأعمال والتجارة في الحكومة البريطانية، في جواب عن سؤال برلماني توجهت به أليسا كيرنز، نائبة في مجلس العموم عن حزب المحافظين، حول واردات بلادها من الأسمدة، أن لندن خفضت من وارداتها على هذا المستوى من روسيا بنسبة 80 في المائة منذ العام الماضي؛ فيما نمت قيمة هذه الواردات، ما بين مارس 2023 وفبراير من السنة الجارية، بشكل كبير من مجموعة من الدول، على رأسها المغرب ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وترينيداد وتوباغو والصين إضافة إلى كل من كندا واليونان ونيجيريا.

وأوضحت الوزارة ذاتها، في جوابها الذي اطلعت عليه جريدة النهار بالموقع الإلكتروني للبرلمان البريطاني، أن نسبة الواردات من هذه الدول شكلت حوالي 93 في المائة من إجمالي الزيادة التي عرفتها الواردات البريطانية خلال هذه الفترة، حيث سبق الوزارة عينها أن أكدت في جواب عن سؤال آخر حول الموضوع نفسه أن الحكومة البريطانية فرضت في مارس 2022 رسوما إضافية بنسبة 35 في المائة على واردات الأسمدة من موسكو، باستثناء اليوريا التي تخضع لتعريفة جمركية بنسبة 6 في المائة. كما فرضت لندن حظرا كليا على أنواع معينة من الأسمدة القادمة من هذا البلد، الذي يخوض حربا مع أوكرانيا.

وأكدت وزارة الدولة للأعمال والتجارة أن واردات المملكة المتحدة من الأسمدة من روسيا بدأت، انطلاقا من العام الماضي، في الانخفاض؛ بسبب هذه التعريفات، وبسبب العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا نتيجة حربها مع كييف، مشددة في الوقت ذاته على أن “لندن ستواصل ممارسة الضغط والتنسيق مع شركائنا الدوليين للضغط على الروس لإنهاء هاته الحرب”.

قوة فوسفاطية

قال رياض وحتيتا، خبير فلاحي، إن “المملكة المغربية وبالنظر إلى كونها قوة فوسفاطية عالمية وتربعها على عرش إنتاج الأسمدة في العالم، فإن بإمكانها تعويض التراجع الروسي في سوق الأسمدة البريطانية مدعومة بمجموعة من العوامل التي تجعلها وجهة مفضلة بالنسبة للندن لتوريد الأسمدة التي تحتاجها الزراعة البريطانية؛ على غرار عامل الإنتاج الضخم، وعامل القرب الجغرافي من أوروبا”.

وأضاف وحتيتا، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “المغرب سبق أن أكد، في عديد من المناسبات، أنه سيرفع من صادراته من الأسمدة في اتجاه الدول الشريكة له، إذ تحتل المملكة موقعا متميزا على هذا المستوى وتواصل تنفيذ التزاماتها تجاه شركائها من أجل ضمان استدامة إنتاجهم الزراعي؛ وبالتالي تحقيق اكتفائهم الذاتي وضمان أمنهم الغذائي، على الرغم من بعض العقبات المتمثلة في فرض بعض الدول لرسوم وتعريفات جمركية مرتفعة وعلى الرغم من الشائعات التي تستهدف المنتجات المغربية من قبل بعض المنتجين في أوروبا”.

وجوابا عن سؤال حول أبرز المنافسين للمغرب على سوق الأسمدة البريطانية، أورد الخبير الفلاحي ذاته أن “المملكة تملك أفضلية كبيرة في الاستحواذ على السوق البريطانية، نظرا لمجموعة من المعطيات؛ أهمها أولا أن الإنتاج الوطني ضخم مقارنة بإنتاج بعض الدول الأخرى على غرار مصر، ثم إن المغرب في حاجة إلى الرهان على مثل هذه الأسواق والسيطرة عليها من أجل جلب العملة الصعبة التي تحتاجها البلاد لاستيراد بعض المواد الأساسية من الخارج كالقمح على سبيل المثال”.

علاقات استراتيجية

بيّن ياسين اعليا، خبير اقتصادي، أن “الأسمدة الروسية كانت، حتى عهد قريب، تسيطر على السوقين الأوروبية والبريطانية؛ غير أن الحرب في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها القوى الغربية على موسكو أدت إلى تضييق الخناق على المنتج الروسي”، لافتا إلى أن “هذا ما يوفر للمغرب فرصة سانحة للتموقع في السوق الأوروبي عامة والبريطاني بشكل خاص، مدفوعا بعلاقاته الاستراتيجية والاقتصادية مع لندن التي تؤطرها اتفاقية الشراكة الموقعة بين البلدين بعد خروج هذه الأخيرة من الاتحاد الأوروبي”.

في المقابل، أشار المصرح لجريدة النهار إلى ضرورة “تحسين قابلية الأسمدة المغربية في هذه الأسواق التي تفرض مجموعة من المعايير والشروط التقنية على الواردات”، مسجلا في الوقت ذاته أن “المملكة هي الدولة الأقرب والأنسب لتعويض هذا التراجع الروسي في سوق الأسمدة البريطانية.

وأبرز الخبير الاقتصادي أن “بعض الدول التي يمكن أن تنافسه في هذا الصدد، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لا تملك قدرات إنتاجية وتصديرية كبيرة مثل المغرب وتفضّل توجيه إنتاجها الوطني إلى أسواقها المحلية؛ وهذا عامل آخر يصب في مصلحة الر باط على هذا المستوى”.

وخلص ياسين اعليا إلى أن “ارتفاع مستوى مبيعات المغرب من الأسمدة الفوسفاطية والاستراتيجية التضامنية مع عدد من الدول والتي جعلت منه فاعلا أساسيا في سوق الأسمدة الدولية، أضف إلى ذلك سياسة الانفتاح المغربي على الأسواق الجديدة، كلها عوامل ترجح كفة ميزان الرباط لتصدر قائمة مصدري الأسمدة إلى بريطانيا وعبرها أوروبا وباقي العالم”.

Exit mobile version