في سياق حالة الطوارئ المائية التي تمر بها المملكة، قارب خبراء وأكاديميون، السبت بالرباط، خلال ندوة علمية احتضنها رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمعرض الدولي للنشر والكتاب في نسخته التاسعة والعشرين، إشكالية ضمان الحق في الماء، خاصة في ظل حالة الإجهاد المائي التي يعرفها المغرب، وكيفيات التوفيق بين صيانة وتعزيز هذا الحق وبين الحفاظ على استدامة الموارد المائية للأجيال المقبلة.
جدية ومجهودات
مولاي إدريس الحسناوي، المكلف بمهمة بوزارة التجهيز والماء، قال خلال مداخلة له بهذه المناسبة إن “ضمان الحق في الماء مسألة تؤخذ على محمل الجد، سواء على المستوى الدولي من خلال العديد من الاتفاقيات والآليات التي تنص عليه، أو على المستوى الوطني، حيث أشار إليه دستور المملكة لسنة 2011، وكذا القوانين الأخرى ذات الصلة”.
وأبرز أن “المغرب قام بمجهودات جبارة في هذا الصدد، وهو ما تترجمه بعض الأرقام، حيث تصل نسبة التزود بالماء الشروب في العالم الحضري إلى 100 في المائة، فيما تصل هذه النسبة في العالم القروي إلى حوالي 98 في المائة”. غير أنه لم ينف، في المقابل، أن المغرب مقبل على مراحل حرجة على هذا المستوى، خاصة في ظل توالي سنوات الجفاف وتأثير التغيرات المناخية على الموارد المائية الوطنية.
وحول العناصر الأساسية للحق في الماء، أوضح الحسناوي أن “أول عنصر هو توفر المياه كمورد متجدد، وإمكانية الوصول والحصول على الموارد المائية، والقدرة على تحمل التكاليف وتغطية المصاريف المرتبة عن الاستفادة، إضافة إلى تحقيق شرط توفر الجودة والسلامة من حيث المعايير والضوابط الواجب احترامها في هذا الشأن، وأخيرا مقبولية المستهلك لهذه الموارد المائية الموضوعة رهن إشارته”. كما استحضر في الوقت ذاته مجموعة من العوامل المؤثرة في الحصول على الماء على غرار معالجة المياه تماشيا والاستعمالات المخصصة لها، وصنف المستهلك، إضافة إلى صنف السكن، وفئته، وحجم التجمعات السكنية، وغيرها من العوامل.
وفي سياق حديثه عن الوضعية الحالية والمستقبلية للموارد المائية بالمغرب، كشف المتحدث ذاته أن “هذه الموارد تراجعت بـ15 إلى 20 في المائة، وستصل نسبة التراجع مستقبلا إلى حوالي 40 في المائة”، مشيرا إلى أن “التغيرات المناخية، وقلة التساقطات أمام توالي سنوات الجفاف، أضف إلى ذلك الاستغلال المفرط للموارد المائية من طرف المكلفين بالتسيير، وتفشي ثقافة التبذير.. كلها عوامل ساهمت إلى جانب عوامل أخرى في هذا التراجع”.
معيقات وصراعات
من جانبها، قالت حنان حمودا، أستاذة الأنثربولوجيا والسوسيولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، خلال مداخلة لها حول المقاربات التي يجب اعتمادها لترشيد السلوك الإنساني والتصدي لإشكالية ندرة الموارد المائية، إن “المغرب، بحكم موقعه الجغرافي، يعاني من مجموعة من الإشكالات الطبيعية والبيئية الناجمة أساسا عن اتساع مظاهر العنف الإيكولوجي المتمثلة في التغير المناخي وتقلص الفرشاة المائية”، مؤكدة أن “هذه الإشكالات أصبحت تعيق مسار التنمية بالمغرب”.
وأضافت الأستاذة الجامعية ذاتها أن “المغرب قاد في السنوات الأخيرة مجموعة من الجهود للتصدي لمختلف الإشكاليات المتعلقة بالماء والنظم البيئة والحد من التبعات والانعكسات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية لهذه الأزمة الإيكولوجية والمائية على مختلف شرائح المجتمع المغربي”، مبرزة في هذا الصدد أن “تدبير الموارد المائية في المغرب كان تاريخيا تدبيرا للندرة”.
وأشارت إلى أن “الوضع الحالي للموارد المائية في المغرب، أمام ارتفاع حدة التغيرات المناخية وتأثيرها على المنظومات المائية والبيئة، يستدعي بالضرورة القيام بالمزيد من الإجراءات، واتخاذ تدابير تضمن تنفيذ الاستراتيجيات التنموية التي انخرط فيها المغرب، ومعالجة كل الإشكالات المرتبطة بالماء في إطار مقاربة متعددة التخصصات، مع تبني برامج جديدة لضمان الأمن المائي والغذائي والعدالة المجالية”.
وخلصت حمودا إلى أن “الماء كمورد طبيعي أصبح في صلب التفاعلات والصراعات السياسات الدولية والإقليمية”، مشيرة في هذا الصدد إلى الصراع السوداني- المصري- الإثيوبي حول سد النهضة ومياه نهر النيل، موصية على صعيد آخر بالانفتاح على الجامعات ومختبرات البحث من أجل مساهمتها في إيجاد إجابات لكل هذه المعضلات التنموية والمائية والبيئية.
إكراهات ومساهمات
عمر الودادي، المنسق في التحالف المغربي من أجل المناخ، قال في مداخلة له حول مساهمة المجتمع المدني في تجاوز إشكال ندرة واستنزاف الموارد المائية بالمغرب إن “المملكة عملت على تحيين الترسانة القانونية المتعلقة بالماء من أجل مواجهة الإشكالات التي يعرفها هذا المورد الطبيعي، إلا أن المقاربة القانونية وحدها غير كافية، خاصة أن تنزيل هذه النصوص على أرض الواقع يصطدم بمجموعة من الإكراهات”.
وأوضح الودادي أن “إشكالية الماء وإن كانت مرتبطة بعوامل كبرى، كالجفاف والاحتباس الحراري، فهي تنطوي أيضا على مشاكل على مستوى الحكامة واستراتيجيات التدخل”، مشيرا إلى أنه “على المستوى الوطني هناك مخطط وطني للماء الصالح للشرب ومياه السقي يمتد إلى غاية 2027، بغلاف مالي محترم، لكن إيجاد حلول لمختلف الإشكالات التي تواجهنا في هذا الصدد يجب أن تكون على المستوى المحلي في إطار التدبير المندمج للموارد المائية”.
وشدد المتدخل ذاته على أهمية مساهمة المجتمع المدني في جهود التحسيس والتوعية الهادفين إلى عقلنة السلوكات الاستهلاكية. غير أنه أردف قائلا إن “مساهمة المجتمع المدني في هذه الجهود رهين بحصوله على المعلومة المائية”، مشيرا هو الآخر إلى ضرورة تشجيع البحث العلمي في المجال المائي وفي التقنيات الزراعية الجديدة غير المستنزفة للمياه، وتعزيز قدرات مختلف الفاعلين والمتدخلين، والترافع من أجل تحيين الترسانة القانونية الوطنية لمواكبة التحديات المستقبلية.