بريطانيا تشيد بتنافسية الصناعة المغربية أمام الرهانات الاقتصادية العالمية

من الدار البيضاء، وعلى لسان مسؤول اقتصادي بريطاني رفيع جاء التأكيد- مجدداً – على متانة العلاقات المغربية البريطانية في أبعادها الاقتصادية، مع انفتاح على آفاق أرحب في الشق المتعلق بقطاعيْ الصناعة والتجارة وتفاعلاتهما المتبادلة.

“المغرب يؤكد مكانته باعتباره البلد الأكثر تنافسية صناعياً على صعيد قارة إفريقيا في مجال التنمية الصناعية”، يورد رئيس غرفة التجارة البريطانية بالمغرب (BritCham)، ستيفن أور، الذي أبرز- خلال مداخلته في ندوة نظمتها الغرفة، مساء الخميس، لمناقشة موضوع “كيف يفرض المغرب نفسه كوجهة جديدة مُفضّلة للمناولة الصناعية؟”- “التقدم المهم الذي تم إحرازه من حيث التنويع وخلق القيمة والتنافسية في أنشطة صناعية متعددة”.

ولفت أور، خلال حديثه، إلى أن “المغرب رفع من التصنيع جاعلاً إياه أحد المحاور ذات الأولوية في سياسته التنموية الشاملة منذ حوالي 20 عاما، مما أتاح له طريقا معبدة ليصبح مركزا صناعياً على الصعيدين الإقليمي والدولي”.

وفي تقدير رئيس “بريتشام”، فإن “المملكة المغربية مدعوة أكثر إلى السير قدماً باتجاه حقبة صناعية جديدة من أجل صناعة أكثر صمودا، قادرة على مواجهة الرهانات الاقتصادية العالمية الجديدة، وإحداث المزيد من فرص الشغل والقيمة”، مستحضرا “صمودها في سياق عالمي وإقليمي موسوم بارتفاع التضخم واضطراب سلاسل التوريد”.

“مرحلة دخول السوق”

محمد الرهج، أستاذ الاقتصاد والتدبير بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، قال إن “المملكة المتحدة عززت علاقاتها مع المملكة المغربية بشكل لم يعد خافيا منذ إتمام إجراءات “البريكست”، وهو ما استدعى تنمية العلاقات الثنائية مع المغرب، خاصة من حيث رفع صادرات المواد الفلاحية المغربية، وتعزيز حضور شركات بريطانية متعددة الجنسيات في المغرب”. وأضاف أن “بريطانيا تطمح جاهدة إلى إيجاد موطئ قدم لها ضمن 10 آلاف شركة أجنبية حاضرة حاليا بالمملكة”.

وأشار الخبير الاقتصادي المغربي، في تصريح لجريدة النهار، إلى أن “حديث رئيس غرفة التجارة البريطانية بالمغرب جاء في سياق بارز، إذ يمكن للاستثمارات البريطانية أن تستفيد من بنيات تحتية متطورة في معظم جهات البلاد عبر مناطق التسريع الصناعي المغربية والمناطق الحرة الاثنتي عشرة، في ظل الربط المباشر بين طنجة ولندن بحراً وجواً، فضلا عن موانئ الدار البيضاء ومناطق التسريع الصناعي بالناظور غرب المتوسط المختصة في الصناعة البترولية، وكذا ميناء الداخلة الذي سيَضمن الانفتاح البريطاني على أسواق إفريقيا”.

“البريطانيون يوجدون حالياً في مرحلة الدخول إلى السوق المغربية من أوسع أبوابها وفي قطاعات صناعية واعدة تضمن خلق مئات آلاف مناصب العمل (أساسا في صناعات السيارات والطيران)”، يتابع الرهج، لافتا إلى عامل “التوفر على نظام قانوني وجبائي مغربي محفز يسمح للاستثمار الأجنبي بالاستقرار والاستفادة من منح دعم يوفرها ميثاق الاستثمار للمشاريع الصناعية عالية القيمة”.

وخلُص إلى أن “التنافسية الصناعية المغربية وتحفيزات بيئتها الاستثمارية يبدو أنها جاهزة الآن لاختبار مدى استعداد المقاولات البريطانية للاستثمار في المغرب، وهي مغامرات محسوبة العوائد والفوائد بالنسبة للرباط كما لندن”.

“زخم تجاري قوي”

من جانبه، استحضر إدريس العيساوي، الخبير في الشؤون الاقتصادية الدولية، الإمكانيات الواعدة التي تنتظر تطوير العلاقات التجارية العريقة بين المملكة المتحدة والمغرب، مبرزا أن التمثيلية الاقتصادية لـ”بريتشام” في العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية أتمّت خلال سنة 2023 زهاء 100 سنة من الحضور بـ”زخم تجاري قوي للمبادلات البيْنية”.

وأضاف العيساوي، في حديثه إلى جريدة جريدة النهار، أن “الفرص المتوفرة أمام المملكتَين شكلت محط إشادة وتنويه تقرير “المعهد البريطاني للتجارة الحرة”، الذي قُدم بمجلس اللوردات البريطاني، أواخر فبراير 2024، بحضور القادة السياسيين المسؤولين عن الاستثمار ورجال الأعمال والدبلوماسيين”.

وتابع قائلا: “أعتقد جازماً بأن حديث ستيفان أور، المسؤول الأول عن الغرفة التجارية البريطانية بالمغرب، خلال ندوة بالتناظر المرئي في الدار البيضاء، يدعم هذا التوجه المنطقي والمعقول جدا، خصوصا أن المملكة المغربية قطعت أشواطاً جدا مهمة في مجال اكتساب المهارات والتقنيات، ليس بشكل منفرد، بل في إطار مقاربة قارية مهمة يظل أبرزها تحسين موقعها على المستوى الاقتصادي في إفريقيا، وتعزيز السياسة الاقتصادية المغربية تجاه بلدان القارة، وبسط الرباط لمبادرة أطلسية تفتح الباب أمام دول الساحل”.

وأشار الخبير الاقتصادي نفسه إلى أن “المغرب في نظر المسؤولين الاقتصاديين البريطانيين غدَا اقتصاداً قادراً على أن يخرج من دائرة الدول التي لها صعوبات، بل استطاع أن يفرض نفسه كفاعل أساسي في مجال الصناعات المولِّدة للقيمة المضافة العالية، والمنتجة لفرص الشغل”، وهو ما يشير إليه عنوان الندوة.

وأبرز أن “الأوراش الكبرى المفتوحة في الواقع المغربي الراهن في المجال الصناعي هي أوراش قوية، كصناعة الطيران وصناعة السيارات. ورغم وجود صعوبات لا تزال تعتري الأداء العام بسبب توالي أزمات ظرفية أو هيكلية، فإن المغرب يعد بلداً مصنِّعاً وسائرا في طريق التصنيع”.

وختم العيساوي مستدلا بـ”حجم التجارة الثنائية” المنجز بين لندن والرباط، والبالغ برسم سنة 2022 نحو 23 مليار درهم، مع ارتفاع المبادلات بنحو 50 في المائة، لتنتقل من 15.3 مليار درهم سنة 2019 إلى 22.9 مليار درهم سنة 2022.

Exit mobile version