كشفت معطيات خاصة عن ارتفاع عدد الملفات الخاصة بالمنازعات القانونية حول استحقاق الكمبيالات بالمحكمة التجارية في الدار البيضاء؛ وذلك بعد تسجيل تنامي الإقبال على وسيلة الأداء المذكورة من قبل المقاولات في معاملاتها على حساب الشيكات، بسبب تعدد المشاكل القانونية المرتبطة بها، خصوصا ما يتعلق بالمتابعات المحتملة عن قبول الشيك على سبيل الضمان.
وطرح تنامي منسوب المنازعات الخاصة بالكمبيالات تساؤلات حول الأسباب والتأثيرات المحتملة لهذا المؤشر على المعاملات التجارية للمقاولات، حيث جاء هذا الارتفاع في ظل تحولات اقتصادية وتقنية تشهدها الأسواق منذ تفشي جائحة كورونا؛ ما يستدعي تحليلا دقيقا لفهم جذور هذه المشكلة والبحث عن حلول فعالة.
وتمركزت الخلافات حول الشروط والمواعيد المحددة في العقود التجارية، وتقلبات أسعار العملات والسلع، وكذا تأثير الجائحة، أسبابا مباشرة وراء تطور قضايا الكمبيالات بالمحاكم؛ فيما قفزت المبالغ المتنازع بشأنها إلى مستويات قياسية، ما أضر بمصالح عدد كبير من المقاولات، خصوصا الصغرى والمتوسطة التي سقطت ضحية عسر مفاجئ لوحدات كبرى.
تداعيات الجائحة
شكلت جائحة “كوفيد-19” صدمة اقتصادية قوية للمقاولات المغربية؛ ما أثر بشكل كبير على الأعمال التجارية والتدفقات المالية، حيث تسببت القيود الصحية والإغلاقات في تعثر العديد من الشركات وتأخير الدفعات المالية، ما أدى إلى زيادة عدد المنازعات المتعلقة بالكمبيالات، وذلك بعد التخلي عن حلول الأداء والضمان بواسطة الشيكات، في ظل نقص السيولة بالحسابات البنكية للشركات، ما أفقد هذه الوسيلة موثوقيتها في المعاملات التجارية.
وبهذا الخصوص، أوضح محسن أساري، محام متخصص في القضايا التجارية، أن أهم مشكلة شائعة مرتبطة بالكمبيالات هي التأخير في السداد عن المواعيد، حيث ينشأ هذا التأخير نتيجة لعوامل متنوعة؛ أهمها الظروف الاقتصادية السيئة أو المشاكل التجارية بين الأطراف، متبوعة بالاعتراض على الدفع، مع تقديم أسباب مشروعة أو غير مشروعة لعدم قبول الكمبيالة؛ ما يزيد من تعقيدات النزاعات ويطيل عملية التسوية.
وأضاف أساري، في تصريح لجريدة النهار، أن التزوير يشكل موضوع عدد كبير من ملفات المنازعات حول الكمبيالات أمام القضاء، حيث إن الكمبيالة شأنها شأن الشيك تتعرض لعمليات تزوير، سواء بتغيير المبالغ المدفوعة أو بتزييف التوقيعات؛ ما يؤدي إلى نشوء نزاعات قانونية حول صحة الكمبيالات والديون المستحقة.
وشدد المحامي ذاته على استمرار تراجع ثقافة التحكيم لدى المقاولات، حيث ما زالت تفضل اللجوء إلى المحاكم عوض الاستفادة من الوسائل البديلة لحل المنازعات؛ مثل التحكيم التجاري.
التحكيم التجاري
تعد الكمبيالة جزءا لا يتجزأ من الأوراق التجارية التي تعتبر سندات قابلة للتداول تمثل دينا مستحقا في أجل محدد، حيث تخضع لأحكام المواد من 159 إلى 238 في مدونة التجارة. وتعتبر سندا يعطي بواسطته “الساحب” إلى شخص آخر يسمى “المسحوب عليه” أمرا بأن يدفع، في تاريخ معين، مبلغا محددا “لمستفيد” قد يكون الساحب نفسه.
ومن خلال هذا التعريف، أوضح سعيد جبور، محكم تجاري ومسير مكتب للتحصيل والاستشارة القانونية بالدار البيضاء، في تصريح لجريدة النهار، أن الكمبيالة بخلاف الشيك، الذي يعتبر أكثر سهولة في عملية التحصيل، غير مستحقة الدفع فورا ويجري تقديمها للبنك عند تاريخ الاستحقاق المدون بها، والمتفق عليه بين الساحب والمستفيد.
وأكد جبور أن القانون يوفر حماية قوية لحاملي الشيكات؛ مما يجعل استخدامها في المعاملات التجارية أكثر أمانا مقارنة بالكمبيالات، التي قد تكون أكثر عرضة للتلاعب والتزوير.
وأشار المتحدث إلى أن أهم فرق بين الورقتين الماليتين يظل هو فورية الاستحقاق؛ الأمر الذي يعزز أهمية التحكيم التجاري في حال نشوب أي نزاع عند التحصيل، حفاظا على مصالح الأطراف، مؤكدا أن التحكيم التجاري يتيح لهم سرية كاملة ويحافظ على خصوصية النزاع ويحصن المعلومات التجارية الحساسة المتعلقة بالكمبيالات والعلاقات التجارية الأخرى.
ونبه في السياق ذاته إلى أن تكاليف التحكيم التجاري تظل أقل من نظيرتها في الإجراءات القضائية التقليدية، حيث يمكن للأطراف تقدير والتحكم فيها بشكل أكبر وتجنب أية نفقات إضافية عند تدبير النزاع القانوني.