الدفعة الأولى من قرض صندوق النقد تتيح للمغرب مرونة أكبر ضد تغير المناخ

لم تعد العلاقات بين المغرب والمؤسسات المالية الدولية حبيسة لغة الثقة والإشادة المعبّر عنهما في بيانات متبادلة بين الجانبين، بل مرّت إلى سرعة التنزيل الفعلي بعدما رحب المجلس التنفيذي لمؤسسة “بريتون وودز”، في بلاغ صدر في فاتح ماي الجاري، بصلابة الاقتصاد المغربي في مواجهة الصدمات. وتم الثناء على السياسات الاقتصادية الكلية والأطر المؤسسية. كما وافق المجلس على أول مراجعة لـ”خط الائتمان المرن” وترتيب “الصلابة والاستدامة”.

ويأتي سحب المغرب تمويلا من صندوق النقد الدولي بقيمة 3.3 مليارات درهم، مارس الماضي، كدفعة أولى من قرض إجمالي بـ13 مليار درهم (1.3 مليار دولار) مُوقع ضمن برنامج “تسهيل الصلابة والاستدامة” (المعروف اختصارا باسم “RSF”).

وهذا النوع من الإقراض، أي “تسهيل الصلابة والاستدامة”، يوفر، بحسب معطيات صندوق النقد، “التمويل طويل الأجل بتكلفة معقولة من أجل دعم البلدان التي تضطلع بإصلاحات للحد من المخاطر المحيطة باحتمالات استقرار موازين مدفوعاتها، بما فيها المخاطر المرتبطة بتغيّر المناخ، وكذا التأهب للجوائح”.

وبحسب المعطيات المتوفرة لجريدة النهار، فإن “الحصول على الدفعة الأولى من هذا القرض جاء بعد الاجتماع مع خبراء صندوق النقد الدولي، الذين زاروا المغرب في فبراير الماضي، ما جعلهم يقفون على التزام المغرب بتدابير عدة تسعى إلى تعزيز مرونة الاقتصاد لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية، سواء تعلق الأمر بتشجيع الطاقات المتجددة أو مواجهة ندرة المياه”.

القرض لفائدة المملكة تمت الموافقة عليه شهر شتنبر من العام الماضي، ويمتد لـ18 شهراً، بهدف معلن هو “دعم الانتقال إلى اقتصاد أكثر مراعاة للبيئة، والمساعدة على تعزيز الاستعداد والقدرة على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية، بما في ذلك الكوارث الناجمة عن تغير المناخ”.

وجوابا عن سؤال “إمكانيات وخيارات السلطات الحكومية المغربية المعنية في تدابير هذا الخط المالي الجديد من التسهيلات”، أفاد حسن العرفي، أستاذ المالية العامة بكلية الحقوق أكدال-جامعة محمد الخامس بالرباط، بأن “هذا القرض يندرج في إطار صيغة الدين ذي الطابع المرن والمستدام ضمن صيغ لصندوق النقد الدولي”.

وأكد العرفي، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن هذه الصيغة “تندرج في إطار فتح خط ائتماني بقيمة خمسة مليارات دولار للدول الواقعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أبريل الماضي، وفق مقاربة تبناها الصندوق تسمح لهذه البلدان بالوصول بسرعة إلى موارد الصندوق، من دون شروط لاحقة”.

“بالنسبة للمغرب، فقد وقد وافق على هذا الخط المالي مجلس إدارة الصندوق، وهو ما يعادل مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة (وحدة حساب صندوق النقد الدولي المقابلة لسلّة من العملات الخمس الرئيسية)”، يتابع أستاذ المالية العمومية.

كما يهدف هذا القرض، بحسب الخبير المالي ذاته، أساسا، إلى “تمكين المغرب من مواجهة بعض الإشكالات المناخية، ودعم مرونته في مواجهة تغير المناخ، والقدرة على اغتنام الفرص لإزالة الكربون من اقتصاده”.

الأكاديمي المتخصص في المالية العامة أضاف أن القرض “سيساعد أيضا السلطات المغربية على تعزيز قدراتها على الاستعداد للكوارث الطبيعية وتحفيز التمويل من أجل التنمية المستدامة”، وفق تعبيره.

ولم يفت الخبير نفسه أن يشير إلى أن للمغرب اتفاقا آخر مع صندوق النقد الدولي باسم “خط الائتمان المرن”، تبلغ قيمته 5 مليارات دولار ويمتد حتى أبريل 2025. وقررت السلطات المغربية جعل هذا التمويل الكبير بمثابة تأمين وتحوُّط ضد مخاطر محتملة قد تواجهها في المستقبل. “وإجمالا، فهذا الخط موجه لِما تم الاتفاق عليه، وليس لتمويل خزينة الدولة بشكل عام”، يوضح حسن العرفي.

من جهته، علّق فوزي مورجي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، على الموضوع، ضمن تصريح مقتضب لجريدة النهار، بالقول: “في الواقع، ليس لديّ أفكار شاملة حول السيناريوهات المحتملة لاستخدام هذه الأحجام المالية المقترضة في إطار حزمة تسهيلات الصلابة والاستدامة”.

وأوضح مورجي، الذي يشغل أيضا إدارة “مختبر الإحصاء التطبيقي للتحليل والبحث في الاقتصاد”، أنه “يمكن استيعاب هذه التسهيلات ضمن دينامية الديون والمديونية العامة”.

وطرح الخبير الاقتصادي المغربي ذاته ملاحظات بشكل عام عن مآل استخدام هذه الدفعة من تسهيلات التمويل الدولي بالقول: “بشكل عام، إذا تم استخدام الدين للاستثمار، فسوف يولّد ثروة لا تبرره فحسب، بل يسمح أيضا بسدادها، لأن الاستثمارات ستؤدي إلى النمو وخلق الثروة”.

وأضاف: “أما إذا كان الاستخدام للاستهلاك، فإنه يصبح أكثر حساسية. إنه تأجيل الديون للأجيال القادمة التي سيتعين عليها السداد… كما لو أنه يسهم في تقليص مدخراتهم”.

ويرتقب أن يتم “صرف الدفعات الأخرى” من قرض “1.3 مليار دولار” نهاية العام الجاري وبداية العام المقبل، مع تقدم عمل خبراء الصندوق مع السلطات المغربية، خصوصاً وزارة الاقتصاد والمالية، في تنفيذ الإجراءات المطلوبة المندرجة ضمن برنامج العمل المتفق عليه بين الطرفين.

Exit mobile version