دراسة مصرية تكشف ريادة المغرب للقارة الإفريقية في صناعة السيارات
أشاد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالدور الريادي الذي بات المغرب يحظى به في مجال صناعة السيارات، والنمو المتسارع لهذا القطاع الذي مكن المملكة من ترسيخ مكانتها كأكبر منتج للسيارات في شمال إفريقيا.
وفي هذا الصدد، قال المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن المغرب استطاع أن يصبح رائدا إقليميا في مجال صناعة السيارات بفضل النمو المتسارع لهذا القطاع، مما مكن المملكة من ترسيخ مكانتها كأكبر منتج للسيارات في شمال إفريقيا.
وأوضح المركز، في دراسة حديثة أعدها تحت عنوان “ريادة إقليمية: المغرب وتوطين صناعة السيارات”، أن نسيج قطاع صناعة السيارات بالمغرب يضم أزيد من 250 موردا لأجزاء السيارات وفاعلين في مجال تصنيع السيارات .
وأبرزت الدراسة أن أهم مظاهر الريادة الإقليمية لقطاع السيارات المغربي تكمن في كونه أضحى أكبر صناعة تصديرية في المملكة، حيث بلغت الصادرات المرتبطة بهذا القطاع نحو 141.7 مليار درهم (13.9 مليار دولار) في نهاية عام 2023، ارتفاعا من 111.2 مليار درهم (11 مليار دولار) في سنة 2022، إلى جانب جاذبيته للاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تعد صناعة السيارات في المغرب من الوجهات المفضلة للاستثمار، إذ استطاع جذب العديد من شركات السيارات العالمية.
وأضافت الدراسة ذاتها أن من أبرز تلك المظاهر أيضا، توطين صناعة السيارات، إذ يسعى المغرب إلى أن يكون موطنا لصناعة السيارات مع الاتجاه بالتصنيع نحو المكونات المعقدة ذات القيمة المضافة المرتفعة، علاوة على مواكبته مستقبل صناعة السيارات العالمية ومساعيه لأن يصبح فاعلا رئيسيا في صناعة السيارات الكهربائية وذاتية القيادة.
وساعدت عوامل عدة محفزة المغرب على تحقيق الريادة في قطاع السيارات وخلق قيمة مضافة تؤهله ليس فقط لتغطية الطلب المحلي وإنما للتصدير للعالم الخارجي، كإطلاق استراتيجيات صناعية متكاملة، وعقد شراكات اقتصادية متنوعة مع الدول الكبرى.
ولخصت الدراسة هذه العوامل في تبني المملكة استراتيجيات معمقة، حيث جاءت انطلاقة قطاع السيارات المغربي على مرحلتين؛ بدأت الأولى عام 1959 بإنشاء شركة “صوماكا” (SOMACA) التي تركز نشاطها على تجميع الأجزاء الميكانيكية وأجسام سيارات الركاب، فيما تمثلت الثانية في تطوير صناعة المكونات الصناعية للسيارات التي بدأت سنة 1995 مع إبرام اتفاقية مع شركة “فيات أوتو سبا” حول مشروع للسيارات الاقتصادية، والتوقيع عام 1996 على اتفاقيتين مع شركتي “رونو” و”ستروين” لتجميع المركبات التجارية الخفيفة الاقتصادية.
ومن بين تلك العوامل أيضا، استقرار المناخ الاستثماري، إذ يتمتع المغرب ببيئة استثمارية مستقرة ساهمت في تسارع النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويمكن تفسير ذلك بتوفير المغرب العديد من الحوافز الاستثمارية، خاصة في المناطق التجارية والصناعية الحرة، التي تقدمها للمستثمرين الأجانب والمحليين في جميع القطاعات.
إلى جانب ذلك، أشارت الدراسة إلى عقد المغرب شراكات مع غالبية القوى الاقتصادية العالمية انعكست إيجابيا على صناعة السيارات، إذ صادق المغرب على 72 معاهدة استثمارية لتشجيع وحماية الاستثمارات و62 اتفاقية اقتصادية، ووقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي عام 1996، وحصل في أكتوبر 2008 على مكانة “الشريك المميز” للاتحاد الأوروبي، إلى جانب توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الصين في ماي 2017. بالإضافة إلى ذلك، أقام المغرب شراكات تجارية واستثمارية مع كثير من الدول العربية والأفريقية.
ساهمت هذه الاتفاقيات في اندماج المغرب في الاقتصاد العالمي، وانفتاحه على السوق العالمية، وتعزيز أنشطة التصدير، إلى جانب تزايد اهتمام المستثمرين الأجانب بصناعة السيارات المغربية، واتجاه عدد من الشركات الأوروبية والصينية نحو ضخ المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، كما أنها ساعدت على نقل خبرات الشركاء الأجانب إلى الاقتصاد المحلي عبر زيادة قدرات البحث والتطوير الهندسي، مما جعل المغرب مركزا رائدا لاختبار السيارات في إفريقيا، وتجلى ذلك في إعلان مجموعة “Fev” الألمانية وشريكتها الفرنسي “Utac” عن افتتاح أول مركز لاختبارات السيارات في القارة الأفريقية.
كما يتوفر المغرب على البنيات التحتية المناسبة واللازمة لصناعة السيارات، ويشمل ذلك امتلاك مناطق اقتصادية حرة كالمنطقة الحرة الأطلسية والمنطقة الحرة بطنجة والمنطقة الحرة “تكنوبوليس” بالرباط، بالتوازي مع توفير مناطق صناعية مؤهلة، إلى جانب تشييد الموانئ والمطارات وخطوط السكك الحديدية، والقطارات السريعة والطرق الحديثة التي يحتاجها هذا القطاع.
وفي هذا الشأن، يمتلك المغرب ميناء “طنجة المتوسط”، ويضم مناطق اقتصادية على مساحة 5 آلاف هكتار، ويمثل مركزا لوجستيا مرتبطا مع أكثر من 180 ميناء حول العالم، بقدرة استيعابية تصل لـ 9 ملايين حاوية، مما يجعله أكبر ميناء في البحر المتوسط من حيث حجم الحاويات. كما احتل الميناء المركز الرابع في مؤشر أداء موانئ الحاويات (CPPI) لعام 2022.
علاوة على ذلك، تضيف الدراسة، اتجه المغرب إلى الاستثمار في الموارد البشرية، عبر فتح مئات مراكز التدريب والتأهيل التقني والعلمي في تخصصات المهن العالمية أو مهن المستقبل كمعهد التدريب على صناعة السيارات.
وخلصت الوثيقة عينها إلى أنه يمكن تفسير نجاح المغرب في ترك بصمته على خريطة قطاع السيارات العالمي بالتركيز الشديد على عدد محدود من الصناعات (من بينها قطاع السيارات) في وضع استراتيجيته التنموية الصناعية، مما جعلها عنصرا محوريا في سلاسل القيمة العالمية لصناعة السيارات، وكذا تميزه بموقعه الاستراتيجي بين أوروبا وإفريقيا، مما يجعله مركزا مثاليا لتصنيع وتصدير السيارات، إلى جانب تهيئة المناخ الاستثماري وسهولة ممارسة الأعمال.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News