ناشطات يرهنّ نمو المغرب بالتمكين الاقتصادي ومشاركة المرأة في سوق الشغل

كان الإعلان عن تقرير “المرصد الاقتصادي للمغرب”، التابع لمجموعة البنك الدولي، المُعنون بـ”من الصمود إلى الرخاء المشترك”، فرصة لتعود الديناميات النّسائية والحقوقية المغربية إلى التذكير بنقطة جاءت في التقرير، هي أن “زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل في المغرب ستكون لها فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة”، بحيث اعتبرت مجموعة من النسائيات أنها فرصة لإعادة التركيز على “معضلة اقتصادية، تتعلق بالتمكين الاقتصادي للمرأة المغربية”.

أمينة التوبالي، عضو ائتلاف “المناصفة دابا”، قالت إن “المغرب منذ الثّمانينات والتّسعينات صار لديه وعي بخصوص الدّور الطّلائعي الذي يمكن أن يلعبه تعلم النّساء، بحكم أنه في السّنوات المبكرة عقب الاستقلال كانت نسبة النساء المتمدرسات متدنية”، موضحة أن “التعليم بهذا المعنى يعدّ عنصراً حاسماً في التّمكين الاقتصادي للنّساء، وتسهيل تدابير ولوجهنّ إلى سوق الشّغل، وبالتّالي تقليص الفجوة الجندريّة رغم أن هذا الجانب مازال يواجه تحديات كثيرة”.

وأوردت التوبالي، في تصريح لجريدة النهار، أن “إنهاء هذه الفجوة، وبالتالي ضمان مساهمة المرأة بشكل أفضل في النمو الاقتصادي وفي الناتج الداخلي الإجمالي، يتطلّب تدابير شمولية تعالج هذا الحيف الذي يسقط على النساء، المبني في الأساس على النوع الاجتماعي”، كاشفة أن “ولوج المرأة مثلا إلى عالم ريادة الأعمال مازال يبرز تفاوتا واضحا، خصوصا ما يتعلق بالمقاولات المتوسّطة والمشاريع الكبرى”، مشددة على أن “المساطر لا تشجّع، والحصول على القروض مازال صعباً بالنّسبة للعديد من النّساء”.

وأكدت النّاشطة النسائيّة أن “هناك مجهودا كبيرا على المغرب أن يقوم به لضمان مساهمة اقتصاديّة بتوقيع النّساء، خصوصا من خلال إنهاء كل المشاكل التي تعترض طريقهن نحو الاستقلال المالي والاقتصادي، لأن مشكل امتلاك الأرض بسبب منع المرأة من التّملك بحكم بعض الأعراف المجتمعيّة مازال منتعشا، وأيضا هناك صعوبات في ممارسة التّجارة الدّولية بخصوص ثقل الضرائب الجمركية، ما يحتاج إلى وضع تدابير تشجع النساء على الانخراط بشكل أكثر فعالية في الشّأن الاقتصادي”.

وأوضحت أن “الوضع الحالي لا يُمكن غالبية النساء من تحقيق اكتفاء ذاتي، فما بالك أن ننتظر منهن المساهمة في الناتج الداخلي الخام عبر مساهمتهن في حركية الاقتصاد الوطني”، مسجلة أن “هذا ليس راجعا للنساء بالضرورة بل للسياق الذي يوجدن فيه، والذي عرف نضالات نسائية وحقوقية طويلة تنبه إلى اشتغال النساء في القطاع غير المهيكل بلا أدنى الشروط التي يفترض أن تضمن الكرامة الإنسانية”.

من جهتها، أشارت سعيدة الإدريسي، الرئيسة السابقة للجمعية الديمقراطية للنساء، إلى أن “وصول المغرب إلى مرحلة تضمن حق المرأة الكامل في الولوج إلى سوق الشغل بدون أية عراقيل قبلية، رهين بالقضاء على مختلف أشكال التمييز ضد النساء”، مشيرة إلى وجود “جهود كثيرة يتم بذلها في هذا الجانب، غير أن التمكين الاقتصادي يحتاج إلى مبادرات كبيرة وإلى جرأة سياسية لتشجيع المرأة في المجال الاقتصادي وضمان مساهمتها فيه والاستفادة منه”.

وقالت الإدريسي، في حديث لجريدة النهار، إن “التمكين الاقتصادي هو في الأصل حكايةُ حق من حقوق الإنسان، لكن الحصول على هذا الحق يحتاج إلى سياسات عمومية دامجة والتزام على المدى البعيد، سواء من طرف الفاعلين الاقتصاديين أو السّياسيين أو غيرهم”، مبرزة أن “ملف التمكين الاقتصادي لا يمكن تدبيره على المستوى القصير، مثلما لاحظنا دائما حين تأتي حكومة وتضع سياساتها الخاصة، في الوقت الذي يجب أن تُبنى فيه السياسات على التراكم”.

واعتبرت الناشطة النسائية أن “مناهضة كل أشكال العنف هي أرضية يمكن الانطلاق منها لتقليص الفجوة الاقتصادية بين الجنسين بالمغرب، على اعتبار أن التّحرش الجنسي في فضاءات العمل يمثل أحد أكبر العراقيل أمام التمكين الاقتصادي للمرأة”، مضيفةً أن “هناك أيضاً بيانات موضوعيّة حول تفشّي الأمية في صفوف المرأة رغم كلّ الجهود المبذولة، ومعظمهن لا يتوفرن على تكوين مهني يخول لهن التحرك اقتصاديا”.

وأوصت المتحّدثة بـ”تخصيص الدّعم المادي اللازم للمشاريع التي تروم خلقها المرأة وإنهاء العراقيل السابقة التي كانت دائما تشل محاولات النساء لضمان الاستقلالية”، وأن “تبذل الدولة المزيد من الجهود لكي تغدو المساواة واقعا ملموسا ومعاشا يقطع مع التمييز والعنف ومختلف أشكال الهشاشة وتفقير المرأة”، مشددة على أن “مساهمة المرأة في النمو يحتاج تمكينها من الاشتغال في القطاعات المهيكلة التي يتم تنظيمها قانونيا”.

يشار إلى أنه في اللقاء التقديمي للتقرير سالف الذكر، الأسبوع الماضي، الذي حضرته جريدة النهار، أكد متخصصون أن “عمليات المحاكاة التي أجراها البنك الدولي تفيد بأن تحقيق أهداف نموذج التنمية الجديد، المتمثلة في مشاركة المرأة في سوق العمل بنسبة 45 بالمائة، يمكن أن يزيد النمو بنحو نقطة مئوية واحدة سنوياً، وقد يقلل من عدم المساواة بمقدار نقطة إلى نقطتين حسب مؤشر جيني (Gini)”.

Exit mobile version