أشارت ورقة اقتصادية حديثة صادرة عن “مركز المتوسط للدراسات الإستراتيجية”، بعنوان “أزمة الغاز في المغرب.. رهانات متعددة وسياقات جيوبوليتيكية مركبة”، إلى أن “المغرب يركز في إطار إستراتيجيته الوطنية على كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة والتكامل الإقليمي، ما يجعله في مقدمة الدول الإفريقية في جذب الاستثمارات وتطوير مشروعات الطاقة المتجددة، لاسيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بهدف تعزيز هذين المصدرين للطاقة في إنتاج الكهرباء”.
وأضاف المصدر ذاته أن الشركات الأوروبية تسعى من هذا المنطلق إلى زيادة استثماراتها في المغرب إلى أكثر من تسعة مليارات دولار بحلول العام 2030، إلا أن “هذه الاستثمارات تصطدم بالعديد من التحديات، أبرزها أنها معرضة لخطر السقوط في المستقبل القريب بمجرد حل أزمة الطاقة الأوروبية، التي وإن كان الغاز يمثل بالنسبة لها أهمية إستراتيجية لتقوية استقلالها الطاقي خاصة عن روسيا، إلا أنها على ما يبدو تريد التخلي عن الغاز بحلول نهاية العقد الحالي”.
في السياق ذاته، رجحت الورقة التي أعدها الطاهر بكني، باحث في العلوم الاجتماعية، إطار عال بوكالة التنمية الاجتماعية بفاس، أن “يصبح المغرب ضمن مراكز النفوذ الإستراتيجية الجديدة، ولاعبا رئيسا في سباق الطاقات النظيفة، مع هدف تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45.5في المائة في أفق 2030″، مضيفة: “رغم وجود إطار قانوني خاص بالمناخ في المغرب إلا أنه ليست هناك قرارات من شأنها أن تسمح للأشخاص والصناعات بتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة بسهولة، خاصة في ما يتعلق بامتلاك وبيع الطاقة المتجددة”.
على صعيد مماثل، لفت صاحب الورقة إلى أن “المملكة لم تركز على المشاريع الصغيرة بالموازاة مع المشاريع الضخمة، ما يسمح للمقاولات بالاستجابة للاحتياجات المحددة للمناطق المختلفة”، مشيرا إلى أن “المشاريع الطاقية الضخمة التي تم إطلاقها، على غرار مشروع ‘نور’ للطاقة الشمسية المركزة، تصب في الغالب في مصلحة بلدان أخرى وليس السكان المحليين، كما أنها تتطلب استخراج كميات كبيرة من المياه في منطقة تعاني أصلا من ندرة الماء”.
وبين الكاتب أن “السياسات المعتمدة تواجه انتقادات متعددة، خاصة عندما يتحتم عليها إحداث توازن بين المصالح المتعارضة، أحيانا، لمختلف المتدخلين، فيما يبدو أن الاعتماد على عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص أصبح نمطا مهيمنا على الفعل العمومي الطاقي، وذلك للاستفادة من مساعدات التنمية، خاصة أن المغرب لا يملك أي خبرة في قطاع إنتاج المحروقات”.
وأوردت الورقة ذاتها أن “الدولة المغربية اعتمدت إستراتيجية لدعم مزيج الطاقة يحتل فيها الغاز الطبيعي مركزا مهما في التحول إلى الطاقة المتجددة، بهدف زيادة القدرة التنافسية للبلاد، مع إزالة الكربون وتقليل الاعتماد على واردات الطاقة الأحفورية وضمان أمن إمداداتها”، معتبرة في المقابل أن “البلاد مازالت تواجه تحديات حقيقية، فاحتياجاتها من الطاقة آخذة في الارتفاع بسرعة كبيرة في وقت تسعى إلى إنهاء اعتمادها على الوقود الأحفوري، أضف إلى ذلك أن موقعها الجغرافي يجعلها عرضة لتأثيرات تغير المناخ”.
وأوضح المصدر ذاته أن الانتقال الطاقي بالمغرب يواجه مجموعة من التحديات الجيو-إستراتيجية، موردا في هذا الصدد أن “المملكة تعاني من اعتمادها الشديد على الموارد الأحفورية المستوردة، ما يجعلها تحت تأثير الموردين الخارجيين وتقلبات الأسعار باعتبارها أكبر مستورد للطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستهلاكها نحو مليار متر مكعب من الغاز سنويا”.
وأشار كاتب الورقة إلى أنه “رغم أن أسعار غاز البوتان عرفت في السوق الدولية ارتفاعا بنسبة أكثر من 60% مطلع سنة 2022 مقارنة مع سنة 2020 إلا أن سعر غاز البوتان في السوق المحلية المغربية ظل مستقرا، ما أثقل كاهل الدولة التي سجلت الفاتورة الطاقية بها نهاية سنة 2022 رقما قياسيا بـ153,5 مليار درهم، بزيادة قدرها 102% بسبب ارتفاع أسعار المنتجات البترولية في السوق الدولية، التي فاقمت من العجز التجاري الذي بلغ سنة 2022 حوالي 311,6 مليار درهم”.