راسل حزب “فوكس” اليميني المتطرف في إسبانيا، من خلال نائبه في البرلمان الأوروبي، خورخي بوكسادي، عن مجموعة “المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين”، جوزيف بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية، في شأن ما أسماه “تواطؤ السلطات المغربية مع شبكات تهريب المخدرات والأعمال الهجينة التي يقوم بها المغرب تجاه إسبانيا من خلال استخدام المهاجرين غير الشرعيين للابتزاز وتهديد السيادة الإسبانية على مدينتي سبتة ومليلة”، بتعبيره.
وانتقد بوكسادي في الرسالة التي اطلعت جريدة جريدة النهار الإلكترونية على نسخة منها، سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الرباط، معتبرا أن “التدفق المستمر للأموال إلى هذه الدولة المجاورة لم يُسفر عن تغيير سلوكها”، مطالبا في الوقت ذاته المسؤول الأوروبي بـ”اقتراح تدابير عقابية في إطار السياسة الخارجية والأمنية لبروكسل والإنهاء الفوري لأي مساعدة للمغرب ممولة من الصناديق الأوروبية”.
ويرى مهتمون أن استمرار السيادة العدائية لهذا الحزب المُتطرف تجاه المغرب، التي يستعمل فيها كل الأوراق، بما فيها ورقة الهجرة والمخدرات وقضية الثغرين المحتلين وصولا إلى محاولة إحداث شرخ في الشراكة المغربية الأوروبية وكبح المسار الجديد الذي اتخذته العلاقات بين الرباط ومدريد، إنما يروم من خلالها تحقيق طموحاته الانتخابية وإعادة إحياء أطروحاته وإيديولوجيته السياسية التي تتقاطع مع إيديولوجية خصوم الوحدة الترابية للمملكة.
رسالة ملغومة وأجندة إقليمية
البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن “رسالة حزب فوكس يمكن معالجتها من زاويتين أساسيتين؛ الأولى متعلقة بطموح هذا الحزب تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات الأوروبية التي يُتوقع أن تجرى في يونيو القادم، والتي ستكون واحدة من أكثر الانتخابات إثارة للجدل في تاريخ البرلمان الأوروبي بسبب صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة وتحقيقها نتائج مهمة في العديد من الاستحقاقات الوطنية في مجموعة من الدول الأوروبية”.
وأوضح في هذا السياق أن “فوكس يسعى من خلال هذه الرسالة الملغومة إلى دعم حملته الانتخابية والاستفادة من الزخم الانتخابي الذي يحققه اليمين المتطرف في أوروبا نتيجة العديد من العوامل الداخلية والخارجية وتصدره المشهد السياسي الأوروبي، عن طريق تصعيد مواقفه المتطرفة إزاء العديد من القضايا التي تؤرق بال الناخب الإسباني بشكل خاص، والأوروبي بشكل عام”.
أما الزاوي الثانية، حسب المتحدث ذاته، فترتبط بـ”بفشل قيادات الحزب في بناء تصور سياسي متسم بالنضج وتغليب المنطق السليم في تحليل المعطيات بعيدا عن الخطاب الشوفيني المتجاوز، حيث يُغرد هذا الحزب خارج السرب لكونه لم يستطع إدراك أهمية واستثنائية العلاقات المغربية-الإسبانية ومدى تأثيرها على الميكانيزمات المجتمعية ومدى تداخلاتها الجيوبوليتيكية في غرب المتوسط”.
ولفت البراق إلى أن “الحزب الإسباني المذكور من خلال تبنيه لهذا الخطاب يضع نفسه خارج الدينامية التاريخية التي تعرفها العلاقات المغربية الإسبانية وهو على إدراك تام بأن المسار المتميز للشراكة الاستراتيجية بين محور الرباط-مدريد أصبح يؤثر على رصيده السياسي المبني على إيديولوجيات بائدة ومنطلقات فكرية متجاوزة”.
وخلص الخبير في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر إلى أن “هذا التنظيم السياسي إنما يخدم مصالح قوى إقليمية أخرى تشتغل وفق أجندات عدائية، حيث تقوم بترويج الأسطوانات المشروخة نفسها المبنية على صور نمطية متهالكة تدحضها الجهود والعمليات المشتركة بين الأجهزة الأمنية والعسكرية المغربية والإسبانية لمكافحة التهريب والاتجار بالبشر وشبكات الهجرة غير الشرعية، سواء في الواجهة المتوسطية أو في الواجهة الأطلسية، آخرها العملية النوعية المشتركة بين الدرك الملكي والحرس المدني تحت تسمية توركال 469 تورنادو، التي انتهت بتوقيف شبكة دولية تستخدم المروحيات لتهريب المخدرات بين المغرب وإسبانيا”.
توجه داخلي وخطاب جزائري
في السياق ذاته، أورد سعيد بركنان، محلل سياسي، أن “خروج بوكسادي، النائب الإسباني في البرلمان الأوروبي، لا يمكن أن ينفصل على التوجه العام الذي يحكم حزب فوكس، سواء في السياسية الداخلية الإسبانية أو في سياسته الخارجية، إذ يكاد هذا الحزب لا يفوت أي فرصة من أجل إبداع العداء للمغرب”، مشيرا إلى أن “التصرفات السياسية لهذا الحزب يحكمها ارتباطان أساسيان”.
الارتباط الأول، يُفسر المتحدث ذاته في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، هو “معارضة حزب فوكس للحزب الحاكم في إسبانيا، حزب رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، الذي قاد إسبانيا للدخول في مرحلة انتقالية في العلاقات الإسبانية المغربية، خاصة وأنه فاز برئاسة الحكومة للمرة الثانية بعد أن فشلت الأحزاب الأخرى، منها فوكس نفسه، في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة”.
وأضاف بركنان أن الارتباط الثاني “يتعلق بموالاة فوكس للأطروحة الانفصالية وتبنيه خطاب الجزائر العدائي تجاه المغرب، من خلال الترويج لكون المغرب هو التهديد الوحيد للأمن القومي الإسباني”.
وبين المحلل السياسي ذاته أن كل هذه التصرفات السياسية العدائية لا تتعدى كونها “زوبعة في فنجان”، ولا ترقى إلى درجة ضرورة إصدار تفنيد من طرف الاتحاد الأوروبي أو إسبانيا التي عبرت عن موقفها من خلال جميع البرلمانيين الممثلين عندما حاولت فرنسا الضغط على البرلمان الأوروبي لاستصدار قرارات تمس سيادة واستقلالية المؤسسة القضائية في المغرب.
وشدد المصرح لجريدة النهار على أن “حزب فوكس الإسباني يؤسس جزءا كبيرا من إيديولوجيته السياسية على معارضة توجهات الحكومة الإسبانية، بحيث إن تحريض هذا الحزب على المغرب داخل أجهزة الاتحاد الأوروبي هو جزء من ممارسة المعارضة على توجهات السياسية الخارجية للحكومة الإسبانية، تتوافق وتوجهات جبهة البوليساريو وكذا النظام السياسي الحاكم في الجزائر الذي عارض بدوره إسبانيا في علاقتها الانتقالية مع الرباط وتأكيدها أن ملف الصحراء لا يمكن أن يتم حل النزاع المفتعل حوله إلا بآلية الحكم الذاتي بالصيغة التي يدفع بها المغرب، بل وصل الأمر بالنظام الجزائري إلى درجة قطع علاقاته مع مدريد”.
وخلص بركنان إلى أن “فوكس والأحزاب المعروفة مواقفها وتوجهاتها في هذا الصدد، توافقت فيها الإرادات السياسية المٌعارضة للحكومة الاسبانية والإرادات العدائية للمملكة المغربية. وبالتالي، فلا بد أن تسعى بكل الوسائل ومن خلال كل المؤسسات من أجل ممارسة دور المعارضة مع إلباسه ثوب المغرب والعداء لكل ما هو مغربي، سواء في البرلمان الإسباني أو في نظيره الأوروبي”.