في الوقت الذي ما يزال العالم يعيش على وقع تأثيرات جائحة “كوفيد-19″، خصوصا على مستوى حركة الشحن البحري الدولي، فرض المغرب نفسه بشكل “نوعي” في قطاع النسيج، حيث بدا أنه من بين المناطق التي عولت عليها الشركات الأوروبية، خصوصا الإسبانية، من أجل تأمين احتياجاتها من الملابس في ظرفية وجيزة وبأسعار تنافسية.
وبينت شركة “إنديتيكس” الإسبانية، التي تظل مسؤولة عن إنتاج عدد من “ماركات” الألبسة المعروفة، كونها حققت خلال السنة الماضية نموا بنسبة 10.4 في المائة، إلى جانب 30 في المائة كزيادة في صافي الربح، وهو الأمر الذي أرجعت الفضل فيه إلى اعتمادها على عدد من الموردين، بما فيهم الهند وتركيا والمغرب وباكستان، في حين قلصت من نسبة اعتمادها على المورد الصيني.
وتتوفر المجموعة الإسبانية على استثمارات بالمغرب في قطاع النسيج، ما يسمح لها بالاستفادة من اليد العاملة التي يوفرها، والتي تبقى ذات خبرة وغير مكلفة، إلى جانب استفادتها كذلك من القرب الجغرافي من التراب الإسباني، مما يساهم في استجابتها للطلبات الواردة عليها من زبائنها الدوليين.
وبين مراقبون اقتصاديون أن المغرب بات قبلة لعدد من الشركات الأوروبية الفاعلة في مجال النسيج التي تتطلع إلى الاستفادة من المقومات والفرص التي يوفرها، في وقت تضررت فيه سلسلة الشحن البحري دوليا، لافتين إلى أن “الريادة بالمنطقة ما تزال بعيدة المنال بالنظر إلى وجود عملاق تركي تصل نسبة الإدماج لديه إلى 100 في المائة، في حين إن المغرب ما يزال رهينا بالسوق الدولية فيما يخص المواد الخام”.
محمد جدري، خبير في مجال الاقتصاد، قال إن “جائحة كورونا أفرزت واقعا اقتصاديا جديدا يرتبط أساسا بالبحث عن سلاسل توريد قريبة، آمنة وغير مكلفة، حيث عمقت أزمة البحر الأحمر في الوقت الراهن أزمة الشحن العالمي، ولذلك فالشركات الأوروبية بدأت تنتهج سياسة جديدة تروم تقريب منابع التوريد وتقليص تكاليف الإنتاج، وهي الفرص التي يقدمها المغرب من موقعه”.
وأوضح جدري، في تصريح لجريدة النهار، أن المغرب “يريد استعادة عافيته في مجال الأنسجة وصناعة الملابس، في وقت تمكن من فرض نفسه قبلة للاستثمارات الأجنبية بالنظر إلى الضمانات التي يوفرها فيما يتعلق باليد العاملة المتوفرة على الخبرة وانخفاض تكاليف الإنتاج، إلى جانب الالتزام بتسليم الطلبيات في أقرب وقت، بينما بدأت نسبة التضخم المرتفعة في التأثير على تنافسية تركيا على هذا المستوى عالميا”.
وبين المتحدث أن “المملكة تراهن على إعادة التموقع على مستوى الإنتاج العالمي في مجال الجلد والألبسة، وهو الرهان الذي يعززه الإقبال الأجنبي على الاستثمار بها، بالنظر إلى المزايا التي تتوفر عليها”، لافتا إلى أن “عددا من الشركات الأوروبية بدأت في توطين فروعها بدول قريبة من القارة العجوز، من بينها المغرب، وهو ما سينعكس إيجابا على الدورة الاقتصادية الوطنية”.
من جهته، أفاد المحلل الاقتصادي ياسين عاليا بأن “قطاع النسيج يشكل أحد العناصر التي تركز عليها سياسة التسريع الصناعي بالمملكة، حيث ترتبط الطفرة التي يسجلها بالأوضاع الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا على مستوى الشحن البحري تحديدا، الأمر الذي فطن إليه فاعلون في المجال بالعالم من خلال محاولتهم تقريب منابع التوريد”.
عاليا أكد، في تصريح لجريدة النهار، أن “الفاعلين في مجال النسيج بأوروبا تضرروا من اضطرابات سلاسل التوريد القادمة تحديدا من جنوب شرق آسيا، بما في ذلك الصين، وهو ما أثر على كلفة النقل البحري التي وصلت إلى مستويات قياسية، مما فتح المجال للمغرب ليبرز كحاضن للاستثمارات الأوروبية في هذا المجال، اعتبارا لكونه قريبا من السوق الأوروبية ويوفر المنتوج بتكاليف منخفضة”.
وأورد المتحدث أن “المغرب حاليا يتنافس مع تركيا بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث تظل نسبة الإدماج بأنقرة حوالي 100 في المائة، في حين لم تصل المملكة بعد إلى هذه النسبة بالنظر إلى كونها لا تزال تستورد المواد الأولية الخام اللازمة للإنتاج، وتستورد كذلك مختلف التجهيزات التي تحتاجها في هذا الصدد”.