ورقة تحليلية ترسم سيناريوهات الحلول لمعضلة تحديات الأمن في البحر الأحمر

خلصت ورقة بحثية حديثة الإصدار لأستاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، محمد عصام لعروسي، إلى أن “حل أزمات البحر الأحمر يتطلب صيغاً مقبولة للوفاق بين الأطراف المتشاطئة وعزل المنطقة عن الصراع الدولي”.

وأكدت الورقة التحليلية أن ارتباط نظام الأمن في الشرق الأوسط مع نسق الأمن في منطقة البحر الأحمر ودول القرن الإفريقي قد يشكل “نقطة ارتكاز للجماعات والمليشيات المسلحة التي تبنى تدخلاتها على أساس شرعية المقاومة وغيرها من العوامل الإيديولوجية، في حين تستغل دول أخرى الوضع لاستدامة الأزمات وإضعاف المنطقة”.

ومن بين أبرز استنتاجات هذه الورقة التحليلية أن “توظيفَ إيران لجماعة “أنصار الله الحوثي” وغيرها من المليشيات للتدخل غير المباشر في المنطقة، في خضم استمرار العنف الإسرائيلي في المنطقة وعدم التوقف عن الإبادة الجماعية للفلسطينيين، سوف يساهم في اتساع دائرة الصراع لتشمل مناطق أمنية أخرى بعيدة جغرافياً عن منطقة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني”.

أبرز مضامين الورقة، المنشورة بمجلة “آراء الخليج” التابعة لمركز الخليج للأبحاث، فسّرت ما سبق “اعتبارا للأهمية الجيوسياسية لمنطقة البحر الأحمر ودول القرن الإفريقي”، مسجلة ضرورة “حل أزمات المنطقة والتوصل إلى صيغ مقبولة بين الأطراف المتصارعة والمتنافسة، وعزل المنطقة عن جحيم التدخل الدولي” لأنها تبقى، حسب لعروسي، “من أهم الأولويات العاجلة لدول وشعوب المنطقة، خصوصا دول الخليج العربي التي تحتاج إلى هذا العمق الاستراتيجي في علاقاتها الأمنية والاقتصادية والتجارية، لكون منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي تشكل معبراً للتجارة العالمية ونقطة التقاء حضارية لدول وشعوب القارتين الآسيوية والإفريقية”.

“قراءة جديدة لديناميات المنطقة”

“المنطقة تحتاج إلى فهم وقراءة جديدة لآليات وديناميات التنافس والتعاون متعدد الأقطاب، وإلى إرادة جماعية لمواجهة المخاطر المُحدقة بها”، يلفت مدير عام “مركز منظورات للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية”، قبل أن يعدد ثلاثة عوامل كبرى “قد تخدم نظام الأمن المتحور والمتناغم مع حاجة ومصالح هذه الدول”.

ودعت الورقة البحثية، التي طالعت جريدة جريدة النهار نسختها الكاملة، من خلال العامل الأول، إلى “العمل على تصفير الأزمات من خلال علاقات متوازنة واستدامة الحوار والتفاعل الإيجابي بين القوى الإقليمية في المنطقة”.

كما سجلت أهمية “الحد من الوكلاء غير النظاميين المَدعومين من قبل بعض القوى كـ”جماعة أنصار الله الحوثي” في اليمن، والمليشيات الشيعية والسنية على حد سواء، والتي تهدد الأمن الإقليمي والدولي”.

أما ثالثُ العناصر المحددة، حسب مؤلف الورقة، فهو “استمرار الأدوار الإقليمية الفاعلة لدول الخليج العربية وتوحيد كلمتها بقيادة المملكة العربية السعودية، التي أصبحت تنأى بشكل واضح عن التقاطبات الدولية وتنهج سياسات مستقلة على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي بما يتجاوب مع مصالحها وأولوياتها واستراتيجياتها المستقبلية”.

“منطقة منقسمة ممزقة”

من خلال بسط مفصل وتحليل 6 محاور أساسية للموضوع، حاولت الورقة البحثية “الوقوف على التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية للقرن الإفريقي والبحر الأحمر، والتهديدات التي تحيق بدول المنطقة، والتي تجعلها منطقة مُمزَّقة ومنقسِمة على نفسها (Fragmented Region)”، مبرزة أن هذا التمزق والانقسام ناجمان عن “النزاعات الأهلية والإقليمية التي تعرفها منطقة القرن الإفريقي”، و”المخاطر الأمنية التي تعرفها منطقة البحر الأحمر مع التدخل الحوثي في الحرب على غزة من خلال اعتراض السفن وضربها وعرقلة الممرات البحرية (خاصة باب المندب وخليج عدن)”.

كما سعت الورقة، حسبما أوضحه كاتبها، إلى “تقديم رؤية واضحة عن دور الفواعل الدولية والإقليمية في زعزعة استقرار المحيط الإقليمي والدولي”، راصدة “تأثير استمرار الأزمات في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا على طبيعة النظام الأمني الفرعي والإقليمي والدولي”، وهو ما يجعل “المعضلة الأمنية مسألةً ذات أهمية مركبة ومعقدة ومتشابكة تتطلب قراءة جديدة وأدوارا وسياسات مختلفة تنأى عن الصراعات وتحقق الحد الأدنى من التعاون والتعايش بين دول المنطقة”.

“فواعل” إقليمية ودولية متداخلة

وحسب لعروسي، فإن “الحديث عن الأهمية الجيوسياسية والتاريخية للبحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي ليست وليدة اليوم، مع دور تاريخي مؤثر بعدما كانت محطّ أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، لأهميتها الاستراتيجية وإطلالتها على طرق التجارة الدولية البرية والبحرية، ومنذ القرن الـ15 ازداد التنافس الغربي على النفوذ بهذه المنطقة، بل تحوَّلَ لصراع في الكثير من الأحيان”.

أما “الواقع الراهن” فيحمل مؤشرات دالة على “أهمية وخطورة أدوار الفواعل الإقليمية والدولية في القرن الإفريقي، مستحضرا أن “كافة المؤشرات والمعطيات أن مجمل المتغيرات الراهنة في المنطقة، في ظل وجود الفواعل الإقليمية والدولية والهيئات غير الحكومية، من جماعات متطرفة ومليشيات عسكرية، تتجه نحو تحفيز الصراع واستمراره بين الفواعل الرئيسية والثانوية”.

ومن ثمة استنتج الباحث أن “موازين القوة وما يرتبط بها من توازنات دولية وإقليمية تمثل أحد العوامل المهمة لضرورة إعادة الصياغة الجيوسياسية لأمن المنطقة، وتوسيع رقعة الخارطة الجيوبولتيكية أكثر لتشمل أغلب دول شرق إفريقيا وإقليم البحيرات العظمى”.

يشار إلى أن التحليل انتظَم في 6 محاور رئيسة شكلت تمفصلات الورقة البحثية المذكورة، وهي أن “القرن الإفريقي منطقة جيوسياسية هامة”، تلاها ثانياً “دور البحر الأحمر في السياسة الدولية”، وثالثاً “القرن الإفريقي.. المخاطر والتحديات”.

وبينما تمحور المحور الرابع حول “تضارب استراتيجيات القوى الدولية والإقليمية”، قارب الباحث محورا خامسا عن “تأثير الحرب في غزة على أمن منطقة البحر الأحمر”، قبل الختم بالتساؤل واستشراف آفاق “هل مِن حلول للمعضلة الأمنية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي؟”.

“معضلة دون حلول؟”

تظل المعضلة الأمنية في منطقة البحر الأحمر ودول القرن الإفريقي مرتبطة بالأساس بـ”تضارب الاستراتيجيات والمصالح بين القوى الدولية والاقليمية”، و”تمزيق الحروب والنزاعات الأهلية لأوصال المنطقة”.

“وبالرغم من مطالبة قرار مجلس الأمن رقم 2722، الذي تم اعتماده في 10 يناير 2024، الحوثيين بوقف الهجمات وإطلاق سراح جميع البحارة المحتجزين كرهائن، مع الإشارة إلى حق الدول الأعضاء في الدفاع عن سفنها، فإن عدم وجود وقف لإطلاق النار في غزة باعتباره السبب الجذري لاتساع دائرة الصراع لتشمل منطقة البحر الأحمر وعدم الحث على اتخاذ إجراءات تمنع المزيد من التصعيد وتبني استراتيجيات أمنية محايدة بناء على منظومة الأمن الجماعي سوف يضاعف الأزمات في المنطقة واستمرار الحروب غير المتناهية”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News
زر الذهاب إلى الأعلى