ندوة تقارب تحول مسار شعبة الجغرافيا

تتبع لمسار تحول تخصص الجغرافيا في الجامعة المغربية من خدمة الاستعمار الأجنبي إلى خدمة التنمية البشرية، وتذكّر للجغرافي الراحل أحمد الغرباوي حضر في ندوة نظمتها مؤسسة علي يعتة، بشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، تهدى فعالياتها لصاحب “أول أطروحة للجيومورفولوجيا أعدها مغربي، التي تعد مرجعا حول الريف الغربي، المسؤول والأستاذ الجامعي الغرباوي، الذي ترأس شعبة الجغرافيا بالرباط لعدة ولايات، وأطر مئات الأبحاث”.

وذكر الأكاديمي موسى كرزازي أن “شعبة الجغرافيا” تستحق الفخر نظرا “لمبادراتها الجريئة لإصلاح التعليم منذ الاستقلال، بفضل أطرها”، في حين تحدثت كلمة للخبير الجغرافي إدريس الفاسي، ألقيت بالنيابة، عن المجال الجغرافي الذي يتوفر على ركائز من عيار كبير، “لم تكتف بالوجود والإشعاع بل كونت سلسلة الخلف”، قبل أن يختم بالقول: “إن محبة أحمد الغرباوي ثابتة في قلوبنا”.

واستشهد رشيد روكبان، رئيس مؤسسة علي يعتة، بوصف أمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، عمر الفاسي الفهري، الراحل أحمد الغرباوي بـ”ابن الشعب”. وقال: “لقد كان الفقيد نشطا في الرواية والشعر والسينما وكان نائبا لرئيس الجامعة المغربية للأندية السينمائية، وحصل على دبلوم الإخراج المسرحي بباريس، وكان أكاديميّا اشتغل بجامعة السوربون والمركز الجامعي للبحث العلمي الفرنسي، وسرعان ما قرر الرجوع إلى وطنه (1969) والإسهام في بناء الجامعة المغربية (الحديثة) التي كان سنها لا يتجاوز آنذاك عقدا من الزمن، وصار أستاذا محاضرا بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس، ومسؤولَ مختبر الجيومورفولوجيا والخرائطية التابع للمعهد العلمي”.

وتابع: “في السبعينيات، خاض نشاطا علميا متميزا وغنيا حول الإنسان والوسط الطبيعي في الريف الغربي، وناقش أطروحته عن الأرض والإنسان في شبه الجزيرة السطحية، وجمع فيها بين الجغرافيا البشرية والجغرافيا الفيزيائية للريف المغربي، وصار أول مغربي يحصل على الدكتوراه في هذا التخصص، ويعود الفضل إليه ولطلبته في إنجاز خرائط جيومورفولوجية كثيرة للأرض المغربية، وساهم سنة 1986 في إصدار الموسوعة الكبرى للمغرب بكتابة الباب الخاص بالجغرافيا الفيزيائية والجيولوجية، كما أنجز خريطتين عن تاريخ المغرب العسكري”.

وذكر المتدخل أن الجغرافي الراحل “أسس بحق المدرسة العصرية في علم الجغرافيا، والجغرافيا الفيزيائية بشكل خاص”، كما استحضر جانبا آخر في مساره، كونه “حزبيا مناضلا فذا ملتزما بمبادئ حزب التقدم والاشتراكية، ومسؤولا عن فرع الحزب بباريس (…) وعضوا باللجنة المركزية للحزب، وخير سفير لحزبه بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب والاتحاد المغربي للشغل، مؤمنا بالوحدة النقابية واستقلال التنظيم النقابي عن التنظيم الحزبي”، وإنسانا “نزيها، كريما، بسيطا، متواضعا، صريحا نتذكره وسنظل، في قلوبنا، وإسهاماته وتضحياته حاضرة أمامنا”.

محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الذي قدم درعا تكريميا باسم مؤسسة علي يعتة وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط لأرملة المكرّم دانييل حياة غرباوي، قال إن الراحل كان “رجل مبدأ أحب الحياة”.

الحسين أمزيل، رئيس شعبة الجغرافيا بالرباط، سجل من جهته أن “هذا الحضور شهادة على أن أحمد الغرباوي حي بيننا”، ثم أردف قائلا: “كلنا في الشعبة نتاج لأشغاله وأعماله (…) وهذا لقاء لمد الجسور بين مختلف المؤسسات الوطنية البحثية وفي السياسات العمومية لمناقشات مواضيع راهنة، ووقفة للذكرى والعرفان لما قدمه السلف، ولمجموعة من الأساتذة بيننا، تقاعدوا لكنهم مازالوا بيننا، ومنهم الغرباوي الذي ساهم في بناء صرح الجغرافيا وتطوره العلمي والبيداغوجي بالمغرب وليس بالرباط فقط”.

ليلى منير، عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ذكرت في كلمتها الملقاة بالنيابة أن موضوع الندوة “إبستمولوجي هام”، هو “تحول الجغرافيا في عهد الاستقلال إلى تخصص يخدم التنمية البشرية بكل مظاهرها”، عن طريق بحوث ميدانية من بين ما تهتم به الماء والتربة والغابات، والحفاظ على المنظومة البيئية بكل عناصرها، “لخدمة الإنسان ورفاهيته الذي تضعه الجغرافيا في قلب التنمية، لتجويد بيئته وتأهيل قدراته”.

وزادت: “نفتخر في جامعتنا المغربية بمواردنا البشرية، وأطرنا التعليمية الكُفؤة الواعية برسالتها الأكاديمية، وطلبتنا المجدين في دراستهم وأبحاثهم، وهذا هو الرأسمال اللامادي والقاعدة الصلبة لاقتصادنا وحضارتنا، فالجامعة في كل أنحاء العالم المتقدم قاطرةُ للتنمية”.

ثم قالت: “بعدما أحاط الاستعمار الجغرافيا بعناية خاصة للتعرف على نقط الضعف والقوة بالميدان المغربي جبالا ووهادا لاستغلال طاقات ومعادن البلاد، وشغّل معه الجغرافيين لتحقيق برنامجه الاستعماري، جاء الجغرافيون المغاربة ومعهم أقلية فرنسية تقدمية مناهضة للاستعمار لتوجيه هذا التخصص لخدمة المواطنين، بوصفهم غاية كل تنمية بشرية ومستديمة”.

Exit mobile version