أحداث العنف في تطوان تسائل فعالية سياسات مكافحة شغب الملاعب

ما إن تنتهي تفاصيل حادثة حتى تبدأ تفاصيل أخرى؛ ذلك ما يصح قولا في مشكل شغب الملاعب الذي بدا يتضح أن مختلف السياسات التي تم سنها للتصدي له لم تعط مفعولها بعد، على اعتبار أننا ما زلنا نتحدث عن شغب على مستوى الملاعب الوطنية.

وما أعاد إلى الواجهة هذا الموضوع هو ما جرى بمدينة تطوان، السبت الماضي، بعد أن عرف محيط ملعب “سانية الرمل” عمليات شغب نفذها محسوبون على فريق الرجاء البيضاوي ضد أفراد القوات العمومية؛ ما نتج عنه إصابة 20 عنصرا منهم، إلى جانب تخريب معدات لوجيستية، وفقا بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني.

وأكد البلاغ ذاته أن “مصالح أمن ولاية تطوان تمكنت من ضبط 29 شخصا، من بينهم 4 قاصرين، يشتبه تورطهم في “التخريب العمدي لمركبات تابعة للأمن الوطني ورشق القوات العمومية بالحجارة، إلى جانب تورطهم في التخدير وحيازة الأسلحة البيضاء وأدوات راضة وعدم الامتثال”.

وتأتي هذه الحادثة الجديدة بعد مصادقة مجلس الحكومة في فاتح فبراير الجاري على مشروع المرسوم رقم 2.23.155 المتعلق بإحداث لجان محلية لمكافحة العنف بالملاعب الرياضية، تقدم به شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مساءلة بذلك هذه الجهود الحكومية لمكافحة الظاهرة.

مقاربة شمولية

محمد ألمو، المحامي بهيئة المحامين بالرباط، قال إن “الشغب ظاهرة مقلقة بالوسط الرياضي ككل والكروي تحديدا، خصوصا بعد أن اتضح أن الاعتماد على المقاربة الزجرية والقانونية لوحدها غير كافٍ؛ ذلك أن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب مقاربتها من مستويات مختلفة عبر اللجوء إلى مقاربة تدمج الجانب التربوي بالرياضي”.

وأضاف ألمو، في تصريح لجريدة النهار، أن “جزءا من المسؤولية تتحملها الجهات القائمة على الشأن الرياضي بالبلاد، اعتبارا لكونها تظل ملزمة باتخاذ إجراءات وقائية تحول دون قيام أحداث الشغب منذ البداية، إلى جانب أن الأوضاع التي تجرى فيها بعض المباريات الكروية والتي ليس بإمكانها استيعاب أي طارئ متوقع”.

وأكد المتحدث أن “جزءا من المسؤولية كذلك تتحملها الأندية الرياضية، بفعل غياب تأطيرها لجماهيرها؛ فهذه الأخيرة تعد جزءا أساسيا في تشكيل الفريق وعنصرا مشَكلا لسمعته، الأمر الذي باتت تتضح معه ضرورة إنجاز مشاريع في هذا الصدد تخص تأطير هذه الجماهير وتخصص لها ميزانيات من لدن الدولة بنفسها، إلى جانب اعتماد استراتيجيات واضحة بخوص تأطير هذه الفئة، بما يمكنه أن ينعكس على الروح الرياضية لديهم”.

“سياسات غير علمية”

عبد الرحيم غريب، أستاذ الحكامة الرياضية بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالدار البيضاء، اعتبر أن “الأحداث المتواترة بخصوص شغب الملاعب ترتبط في عمقها بفشل السياسات العمومية الموجهة للشباب، وجد هؤلاء في الألتراس بديلا لهم عن المؤسسات الأخرى التي كان من المنتظر أن تقدم لهم خدمات مختلفة”.

وقال غريب، في تصريح لجريدة النهار، إن “الشاب المشاغب نتاج لفشل دراسي ولوسط مجتمعي ينتمي إليه؛ الأمر الذي جعلنا أمام مشكل عميق متجدر، فما حدث مؤخرا بتطوان خطير، على اعتبار أنه يمس هيبة الدولة ويشكل حثا على إثارة الفوضى بالمجال العمومي ورغبة في إلحاق الضرر بممتلكات الآخرين”.

واستدرك المتحدث معتبرا أن “مختلف الإجراءات التي تم القيام بها لم تكن مبنية على تشخيص معمق وعلمي للظاهرة بشكل يوضح أسبابها؛ فالحلول ذات الطابع الأمني والزجري ليست بالكافية والناجعة، حيث تغفل الجانب العلمي والبيداغوجي الذي يبقى مهما جدا”.

وأكد الأستاذ المذكور أنه “لا يمكن حل مشاكل معقدة بسياسات ظرفية ومناسباتية وغير مستدامة؛ فمختلف الخطط التي تم تسطيرها في هذا الإطار من قبل الدولة تبقى قصيرة الأمد، في وقت كان فيه من الأجدر أن نعود إلى البحث العلمي واستثمار مختلف الدراسات والأطروحات التي تبقى تم تأليفها على مستوى الجامعات المغربية”، لافتا إلى ضرورة “التشاور مع الأساتذة الجامعيين والخبراء والمختصين إذا أردنا الوصول إلى حل فعال”.

سلوكات منافية للقيم

زكرياء أكضيض، باحث في السوسيولوجيا، قال إن “نظرية السلوك الاجتماعي تقدم لنا عادة الجماعات التي تلجأ إلى العنف على أنها مجموعات تدين الأفراد المنتمين لها وتدين حتى المعايير الأخلاقية والقيمية لهم؛ ما يعني أن الفرد عندما يكون ضمن هاته الجماعة فإنه يضع قناعاته وسلوكاته جانبا ويبدأ في تجسيد ما تريده هي”.

وأكد أكضيض، في تصريح لجريدة النهار، أن “الأفراد وسط هاته الجماعات يبقون متنافرين من الناحية القيمية؛ غير أنهم لحظة التشجيع ينسجمون فيما بينهم بشكل ينتصر للعنف بعد أن تتحرك محركات الجماعة اللاواعية وتفرز تصورات جماعية متناقضة مع قيم التشجيع ككل”.

وبيّن المتحدث أن “حالات الشغب كذلك ترتبط بالشروط التي تولد الانفلات؛ فإما أن تكون شروطا متعلقة بالفصائل نفسها التي تكون عادة مجزئة إلى أقسام وأحلاف، ولذلك يولد التناقض الواقع بينهما العنف، وإما أن تكون هذه الشروط متعلقة بالتدبير الأمني للمباريات أو بالعلاقة بين الفصائل”.

وسجل الباحث في السوسيولوجيا أن “أبرز الأحداث التي تميل إلى العنف من طرف الفصائل هي تلك الأحداث التي تقع خارج المجال الجغرافي للجمهور؛ ما يطرح تساؤلات حول هذا البعد، ما دام أن الوجود داخل المجال الاجتماعي الأصلي يتسم بالانضباط، بينما يؤدي الخروج عنه إلى حدوث انفلات في القيم”.

Exit mobile version