جيش إسرائيل يقدم خطة “لإجلاء” المدنيين

قدّم الجيش الإسرائيلي خطّة “لإجلاء” المدنيّين من “مناطق القتال” في غزّة، حسبما أعلن الإثنين مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، فيما كانت إسرائيل توعّدت الأحد بشنّ هجوم برّي على مدينة رفح المكتظّة في جنوب القطاع، رغم المفاوضات الجارية للتوصّل إلى هدنة جديدة في الحرب ضدّ حماس.

وقال مكتب نتانياهو في بيان مقتضب إنّ الجيش “قدّم لمجلس الحرب خطّة لإجلاء السكّان من مناطق القتال في قطاع غزّة، فضلا عن خطّة العمليّات المقبلة”، من دون أن يخوض في تفاصيل.

يأتي ذلك في وقت قال نتانياهو الأحد لقناة “سي بي إس” الأميركيّة إنّ التوصّل إلى اتّفاق هدنة لن يؤدّي إلّا إلى “تأخير” الهجوم على مدينة رفح التي يتجمّع فيها ما يقرب من مليون ونصف مليون مدني على الحدود المغلقة مع مصر، وفق أرقام الأمم المتحدة.

وصرّح نتانياهو: “إذا توصّلنا إلى اتّفاق فستتأخّر (العمليّة) إلى حدّ ما، لكنّها ستتمّ”، مضيفا: “إذا لم يحصل اتّفاق فسنقوم بها على أيّ حال. يجب أن تتمّ، لأنّ النصر الكامل هو هدفنا، والنصر الكامل في متناول اليد – ليس بعد أشهر، بل بعد أسابيع، بمجرّد أن نبدأ العمليّة”.

وبينما تستمرّ المحادثات في قطر، يحتدم القتال بين الجيش الإسرائيلي وحماس، خصوصا في مدينة خان يونس المدمّرة، على بُعد بضعة كيلومترات شمالي رفح. وأحصت وزارة الصحّة التابعة لحماس الأحد سقوط 86 قتيلا خلال 24 ساعة في أنحاء القطاع الفلسطيني.

ويستمر الوضع الإنساني في التدهور في القطاع، حيث بات حوالي 2,2 مليون شخص، هم الغالبيّة العظمى من سكّانه، مهدّدين بخطر “مجاعة جماعيّة”، وفق الأمم المتحدة.

ويخضع إدخال المساعدات إلى غزّة لموافقة إسرائيل، ويصل الدعم الإنساني الشحيح إلى القطاع بشكل أساسي عبر معبر رفح مع مصر، لكنّ نقله إلى الشمال صعب بسبب الدمار والقتال.

نتيجة ذلك، دفع نقص الغذاء مئات الأشخاص إلى مغادرة شمال القطاع، حيث يوجد 300 ألف شخص، باتّجاه الوسط، وفق ما أفاد مراسل لوكالة فرانس برس الأحد.

وقال المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني، الأحد، إنّه مازال ممكنا “تجنّب” المجاعة في غزّة إذا سمحت إسرائيل للوكالات الإنسانيّة بإدخال مزيد من المساعدات.

وأضاف لازاريني عبر منصّة إكس: “إنّها كارثة من صنع الإنسان (…) وقد التزم العالم بعدم السماح بالمجاعة مجددا”.

– “سياسة التجويع” –

بين من غادروا شمال القطاع سمير عبد ربّه (27 عاما) الذي وصل من جباليا إلى النصيرات صباح الأحد، نازحا بسبب الجوع مع زوجته وطفلته التي تبلغ عاما ونصف عام.

وقال عبد ربّه لوكالة فرانس برس: “جئت مشيا من شمال غزة من عزبة عبد ربه… لا أستطيع أن أصف كمية المجاعة هناك… عندي بنت صغيرة عمرها عام ونصف، لا يوجد حليب. أحاول أن أطعمها الخبز الذي أصنعه من بقايا العلف والذرة، لا تهضمه، لا مغيث. أملنا كبير فقط بربّنا”.

من جهته، قال مصدر قيادي في حماس لفرانس برس الأحد: “قتل شعبنا بالتجويع في غزة وشمالي القطاع جريمة إبادة جماعيّة تهدّد مسار المفاوضات برمّته”.

واندلعت الحرب في 7 أكتوبر، بعدما نفّذت حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل، أسفر عن مقتل 1160 شخصا غالبيّتهم مدنيّون، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات إسرائيليّة رسميّة.

كما احتُجز خلال الهجوم نحو 250 رهينة تقول إسرائيل إنّ 130 منهم مازالوا في غزّة، ويُعتقد أنّ 31 منهم لقوا حتفهم.

وأكّد الجيش الإسرائيلي الأحد مقتل الجندي عوز دانيال (19 عاما) الذي “مازالت جثّته محتجزة لدى حماس”، وفقا لمنتدى الرهائن والعائلات المفقودة الذي ذكر أنّ عوز قتل خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر.

وردا على الهجوم، تعهّدت إسرائيل بـ”القضاء” على حماس التي تحكم غزة منذ 2007 وتُصنّفها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي “منظّمة إرهابية”. وتردّ إسرائيل على الهجوم بقصف مدمّر على قطاع غزّة وبعمليّات برّية منذ 27 أكتوبر، ما تسبّب في مقتل 29692 فلسطينيا، غالبيتهم العظمى مدنيّون، وفق أحدث حصيلة لوزارة الصحة.

وتعلن الوزارة عن سقوط نحو مائة قتيل يوميا في القطاع نتيجة القصف.

– “تفاهم” مبدئي حول اتفاق هدنة –

أعلنت الولايات المتحدة الأحد أنّ المحادثات التي جرت في باريس أفضت إلى “تفاهم” حول اتّفاق محتمل يقضي بإطلاق حماس سراح رهائن والتزام بوقف جديد لإطلاق النار في قطاع غزّة.

وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك ساليفان لشبكة سي إن إن: “اجتمع ممثلو إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر في باريس وتوصلوا إلى تفاهم بين الدول الأربع حول الملامح الأساسية لاتفاق رهائن لوقف مؤقّت للنار”.

ورفض ساليفان الخوض في التفاصيل، لكنه أوضح أنّ الاتّفاق “مازال قيد التفاوض بشأن تفاصيله. ولا بُدّ من إجراء نقاشات مع حماس عبر قطر ومصر، لأنّه في نهاية المطاف سيتعيّن عليها الموافقة على إطلاق سراح الرهائن”، وتابع: “هذا العمل جار. ونأمل أن نتمكّن في الأيام المقبلة من بلوغ نقطة يكون فيها بالفعل اتّفاق متماسك ونهائي بشأن هذه القضية”.

وفي الأثناء، نقلت قناة فضائية مصرية الأحد عن مصادر مطلعة أن المحادثات استؤنفت في الدوحة وستعقبها جولة نقاشات أخرى في القاهرة بمشاركة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين ومن حركة حماس.

ونقلت قناة “القاهرة الإخبارية” عن مصادر مصرية “استئناف مفاوضات التهدئة بقطاع غزة، من خلال اجتماعات على مستوى المختصّين تُعقد بالعاصمة القطريّة الدوحة، وأخرى تعقبها في القاهرة”، حيث التقى مديرو الاستخبارات المصريّة والأميركيّة والإسرائيليّة ورئيس الوزراء القطري في 13 فبراير، وتابعت: “مباحثات الدوحة والقاهرة تجرى بمشاركة مختصّين من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى وفد من حركة حماس”.

وكان وفد إسرائيلي برئاسة رئيس الموساد ديفيد برنيع زار باريس الجمعة لإجراء محادثات حول الهدنة.

وقال مصدر في حماس لفرانس برس إنه تم اقتراح “بعض التعديلات الجديدة” بشأن القضايا الخلافية، لكن “إسرائيل لم تقدم أيّ موقف جوهري بشأن شروط وقف إطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة”.

ووصف نتانياهو مطلب سحب قواته بأنه “خيالي”.

– رفح “المعقل الأخير” –

لكن من أجل التوصّل إلى اتّفاق، تشترط إسرائيل “الإفراج عن جميع الرهائن، بدءاً بجميع النساء”، وفق ما أعلن تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء.

وحتى إذا تمّ ذلك فإنّ “اتّفاقا كهذا لا يعني نهاية الحرب”، وفق هنغبي.

وتطالب حماس من جانبها بوقف كامل لإطلاق النار وبانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وتوفير مأوى آمن لمئات آلاف المدنيين الذين شرّدتهم الحرب.

في الغضون، يتزايد القلق حول مصير مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع، حيث يتكدّس ما لا يقل عن 1,4 مليون شخص، معظمهم نازحون، بسبب العمليّة البرّية التي يُعدّ لها الجيش الإسرائيلي.

وأعلن نتانياهو السبت أنّه سيجمع “في بداية الأسبوع مجلس الوزراء للموافقة على الخطط العملياتيّة في رفح، بما في ذلك إجلاء السكّان المدنيّين” من “المعقل الأخير” لحماس.

وأظهرت صور لفرانس برس تجدّد القصف في المدينة الأحد، في حين استمرّ القتال أيضا في بيت لاهيا وحيّ الزيتون شمالي قطاع غزة.

وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الأحد أنّ العمليّات الإسرائيليّة ضدّ حزب الله في لبنان لن تتوقّف، حتّى إن تمّ التوصّل إلى اتّفاق على وقف النار والإفراج عن رهائن في غزة.

وتفقّد الوزير مقرّ القيادة العسكريّة الشماليّة في صفد الذي أصيب في وقت سابق من الشهر الحالي بصاروخ أطلق من جنوب لبنان وأسفر عن مقتل جندية.

من جهته، حذّر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الأحد خلال استقباله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في عمان من خطورة مواصلة إسرائيل هجومها على غزّة في شهر رمضان الذي يحلّ في مارس، مؤكدا أنّ هذا “الأمر سيزيد خطر توسّع الصراع”.

وأكّد الملك “ضرورة بذل أقصى الجهود للتوصّل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، وحماية المدنيّين الأبرياء”.

وأعلنت الرئاسة الفرنسيّة أنّ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي أدّت بلاده دور الوساطة الرئيسي في حرب غزّة سيزور باريس هذا الأسبوع لإجراء محادثات مع الرئيس إيمانويل ماكرون.

Exit mobile version