بعد إسبانيا، أصدرت مجموعة من الدول الغربية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، توصيات تحذر رعاياها من المخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها إثر وجودهم فوق التراب الجزائري، خاصة منطقة تندوف التي تضم مخيمات البوليساريو، معبرة عن مخاوفها من وقوع حوادث إرهابية وحوادث اختطاف لمواطنيها هناك.
تحذيرات يرى فيها متتبعون إساءة إلى صورة الجزائر وتعبيرا جليا عن فشل السياسة والمؤسسات الجزائرية وهشاشة المقاربات الأمنية التي تعتمدها نتيجة ارتهانها إلى الطموحات التوسعية للجنرالات الذين يتحكمون في القرار السياسي والأمني في البلاد.
واعتبر هؤلاء المتتبعون أن هذه التحذيرات الغربية تستوجب من هذه الدولة المغاربية إعادة تقييم سلوكها على جميع المستويات؛ بما في ذلك فك الارتباط بالجماعات الإرهابية التي تحتضنها على أراضيها، خاصة جبهة البوليساريو الانفصالية.
أبعاد مركبة
هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، قال إن “تحذيرات الدول الغربية، على رأسها بشأن السفر والوجود بالجزائر ووجود أخطار إرهابية وأخرى ذات توجهات إجرامية، مرتبطة بالوضع الأمني غير المستقر في العديد من المناطق الجزائرية، خاصة في الآونة الأخيرة”.
وأوضح الباحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية أن “الشبكة الأمنية والعسكرية في الجزائر تواجه صعوبات معقدة وأخرى ذات أبعاد مركبة تؤثر بشكل مباشر على نجاعة فعاليتها، خاصة فيما يخص تأمين حياة الأجانب أو على الأقل التدخل الإيجابي لتحييد الأخطار التي قد تضر بأمنهم وسلامتهم”.
ولفت معتضد، في تصريح لهبسريس، إلى أن “تراجع نجاعة السياسات الأمنية في الجزائر وارتفاع معدل الجريمة والتهديدات في العديد من مناطقها الترابية تدفع العديد من الدول، عبر وزارات خارجيتها، إلى تنبيه مواطنيها الراغبين في زيارة الجزائر أو الموجودين على أراضيها لأغراض ضرورية ومهنية”.
واعتبر الباحث أن “غياب مقاربة أمنية محكمة ووجود هشاشة تدبير المجال الحدودي الجزائري بالإضافة إلى تعثر تنزيل رؤية الجزائر الأمنية كلها عوامل تجعل القطاع الأمني في هذا البلد يعاني من خلل في ضبط فضائه الترابي والتأمين الشامل لسيادته الترابية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “هذه التحذيرات بشأن السفر للجزائر من طرف الدول الغربية ليست بالجديدة؛ بل تأتي للتذكير المسؤول بخصوص الأوضاع في هذا البلد، خاصة في ظل تصاعد ثقافة التهديدات الصادرة من مجموعات مقيمة فوق ترابها وتشكل تهديداً على الشعب الجزائري قبل الأجانب الراغبين في زيارة الجزائر”.
وخلص معتضد إلى أن “تزايد خطر اختطاف مواطنين غربيين وأجانب في الجزائر لا يسيئ فقط إلى مؤسساتها الأمنية والدفاعية ونظامها العسكري؛ ولكن يسيئ خاصة إلى صورة الجزائر التي تتحمل الدولة مسؤوليتها السياسية والمؤسساتية فيها وهي مطالبة بالتحرك الفوري لضمان أمن الجزائريين بكل مهنية ومسؤولية، بالإضافة إلى الأجانب والزوار”.
فشل السياسة الأمنية
أوضح البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أن “التحذيرات الأخيرة لمجموعة من الدول بشأن الوضع الأمني في الجزائر هي دليل ملموس على فشل السياسة الأمنية بمعناها الشمولي في الجزائر ونتيجة ارتهان صانعها إلى الطموحات العدائية لجنرالات الجيش الجزائري”.
وأضاف البراق أن “فشل الحالة الأمنية في الجزائر مردها إلى قصور المؤسسات الأمنية الجزائرية في بناء مقاربة أمنية ناجعة بأبعاد إقليمية مبنية على الشراكة والتعاون نتيجة السلوك العدائي للنظام الجزائري تجاه دول الجوار وبشكل خاص الدول الفاشلة أمنيا في الساحل والصحراء، مما ينذر بارتفاع مؤشر المخاطر الأمنية التي قد تستهدف العمق الجزائري وبالتالي تزايد التهديدات المرتبطة بالإرهاب والجريمة العابرة للقارات”.
ولفت المصرح لجريدة النهار إلى أن “الوضعية الأمنية المقلقة في الجزائر هي نتيجة حتمية لصراع الأجنحة داخل النظام الجزائري، الذي أصبح جزءا أساسيا من العطب البنيوي الذي تعاني منه الدولة الجزائرية إلى جانب الفساد وغياب الجو الديمقراطي المشجع على الإبداع والابتكار، وهو ما يشكل حاجزا أمام طموحات الشعب الجزائري الشقيق في العيش الكريم والحرية”.
وأشار الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر إلى أن “العقيدة الأمنية الجزائية تحتاج إلى تجديد على مستوى الخطاب والممارسات حتى ترقى إلى المستوى المطلوب لتلعب دورها كاملا في حفظ الأمن الإقليمي والدولي والمشاركة الفاعلة في الجهود العالمة لمكافحة الجريمة العابرة للقارات والإرهاب والهجرة غير الشرعية وأول خطوة في هذا المسار هي فك الارتباط العضوي للمؤسسات الأمنية الجزائرية مع التشكيلات الإرهابية في الساحل والصحراء الكبرى كميليشيا البوليساريو الإرهابية وباقي التنظيمات المتطرفة في الصحراء”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “إصلاح المنظومة الأمنية الجزائرية لن يكون ممكنا طالما يسيطر الجنرال شنقريحة على نظام تبون بفكره العدواني ورؤيته التوسعية المرتكزة على الهيمنة الإقليمية وتهديد الجوار الإقليمي والتلاعب بالأمن القومي للدول ذات الحدود المشتركة مع الجزائر كتونس ومالي وموريتانيا وليبيا والنيجر والمغرب”.