زياد حافظ: “طوفان الأقصى” غيّر مسار القضية الفلسطينية وسيسقط إسرائيل

قال زياد حافظ، مفكر استراتيجي لبناني الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، إن معركة “طوفان الأقصى” طوفانٌ “جرف وقائع لم يعد بالإمكان تجاهلها إقليميا ودوليا”، و”غيّر مسار القضية الفلسطينية، والوطن العربي والإقليم والعالم”، وسيؤدي إلى انهيار إسرائيل وتسريع “وتيرة الانهيار الداخلي القادم في الولايات المتحدة”، و”سقوط الحواجز التي تمنع الدول العربية من استعادة شيء من سيادتها”.

جاء هذا في محاضرة نظمتها مؤسّسة محمد عابد الجابري للفكر والثّقافة، ذكر فيها حافظ أن “المنظومة الفكرية التي استند إليها الاستعمار والإمبريالية وأدواته الإقليمية والعربية، قد تحطمت أمام النموذج الإرشادي الذي فرضه اجتماع الإيمان والعقل والشجاعة”.

وتابع متحدثا عن “زيف ادعاء الغرب حول حكم القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان، وكل ما يروجون له من سرديات كاذبة؛ فسلوك النخب الحاكمة بالغرب بعد إطلاق [طوفان الأقصى] تضامن مع الكيان في [حقه] في الدفاع عن النفس، وتجاوزَ الظلم المفروض على الشعب الفلسطيني بشكل عام والحصار غير الإنساني على غزة، ولم تشكل لدى الحكومات الغربية تصريحات المسؤولين الصهاينة في تحقير الفلسطينيين وتشبيههم بالحيوانات انتهاكا لحقوق الإنسان”.

وزاد: “بينت المعركة أيضا زيف ادعاء الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ فالمظاهرات الصاخبة التي عمت العواصم الغربية والولايات المتحدة الأمريكية تنديدا بمجازر الكيان الصهيوني، لا تجد من يأخذها بعين الاعتبار لتغيير سلوك تلك الحكومات”، كما ظهر “بشكل ملفت سقوط المفاهيم في الإعلام الغربي الذي روج للسرديات الغربية حول طوفان الأقصى، مما يعني سقوط السلطة الرابعة في هذه الدول، علما أن إعلامها تحت قبضة اللوبيات الصهيونية، وهذا ما أدى إلى قوامة الإعلام الموازي على وسائل التواصل الاجتماعي الذي فضح فظائع الكيان في غزة وعموم فلسطين المحتلة”.

ومن بين ما كشفته المعركة “إخفاق الاستخبارات الغربية، التي لم تستطع توقع وتتبع عملية طوفان الأقصى؛ وهو ما يعكس رداءة القيادات والمسؤولين في تدبير الموقف، وتحولات في البنية السياسية والاقتصادية ناتجة عن خيارات وسياسات خاطئة، هي التي أدت إلى حالة الأفول والانهيار المرتقب للغرب”، علما أن “طوفان الأقصى قد أظهر عيوب وإخفاقات المنظومة الغربية التي تحكم العالم منذ أزيد من قرن”.

كما قدر المحلل اللبناني أن “طوفان الأقصى قد حوّل مفهوم العمل السياسي في فلسطين، وهو ما سيمتد بعد ذلك إلى العالم العربي؛ فالمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني بادرت إليها مجموعات طليعية استندت إلى بيئات مؤيدة لها، لكن العدوان الوحشي على غزة وصمود أهلها أدى إلى قلب المعادلة، وأصبحت فصائل المقاومة تمثل إرادة الشعب، بل أصبح الشعب يحدد سقوف المواجهة، ورغم وحشية آلية الكيان الصهيوني، صار الشعب يقول إياكم والتوقف، وهذا نموذج سيقتدى به في كل الأقطار العربية”.

وأبرز المتحدث أن المرحلة المقبلة للمقاومة الفلسطينية هي “الانتقال من البناء والردع ضد الهجوم الصهيوني، إلى إيجاد قوى استعادة الحقوق دون المرور الحتمي بضرورة البنية التقليدية للجيوش”، مع تشديده على كون “المواجهة في غزة جزءا من مواجهة شاملة على الصعيد العالمي، وليست صراعا إقليميا بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين، بل صراع وجودي وقومي، ودولي أيضا”.

وزاد شارحا: “تتلازم المواجهة بين الغرب وروسيا في أوكرانيا، والمواجهة في غزة في مختلف ساحات المشرق العربي في لبنان وسوريا والعراق واليمن”، وهذه “حرب عالمية ثالثة بذخيرة منخفضة” يتواجه فيها المعسكران نفسهما في غزة وأوكرانيا.

ومع استحضاره “الدعم الروسي لمحور المقاومة”، ذكر المتحدث أن “روسيا والصين معنيتان بالصراع القائم في غرب آسيا، لأسباب جيو-سياسية لإضعاف المحور الغربي بالمنطقة، وإخراج الولايات المتحدة من غرب آسيا والبحر الأحمر والخليج العربي”، ثم أردف قائلا: “سنشهد تحولات في الهدف؛ من الردع المحدود إلى التحرير الشامل، بسبب حجم التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية”.

ومع تسجيله كون “الولايات الأمريكية هي التي تدير الإبادة، وليست مجرد شريك”، ذكّر المتدخل بأن “سلوك الكيان الصهيوني لا يختلف عما جرى في تكوين الولايات المتحدة مع الشعوب الأصلية”.

وفي المستوى الداخلي الأمريكي، ذكر حافظ أن “نتيجة طوفان الأقصى قد تؤثر على إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي بايدن، بسبب الغضب في الشارع الأمريكي، وستكون هذه المرة الأولى منذ حرب فيتنام والرئيس ليندون جونسون التي يؤثر فيها العامل الخارجي على الداخل الأمريكي”.

وتحدث المحاضر عن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن بوصفها “إدارة تخلت عن كافة المعايير الأخلاقية والقانونية، وشريكة في جريمة الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني في غزة”، موردا أن “الإدارة الأمريكية أرادت أن تكون في صدارة العداء للفلسطينيين وتضغط على الدول العربية لمنع أي مساعدة”، قبل أن يضيف أن “المواجهة المباشرة العربية الأمريكية مسألة وقت”.

ورصد المحاضر “التصدع المتزايد بين الكتلة الغربية، وخاصة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”؛ فـ”رغم مسارعة أوروبا لإعلان التضامن مع الكيان في الأيام التي تلت طوفان الأقصى، إلا أن الحراك الشعبي قد تلى جرائم الكيان وتصريحات قياداته، وخرجت المظاهرات الغاضبة بالدول الغربية متجاوزة المنع والقمع، ناهيك عن حكومتي إسبانيا وإيرلندا اللتين لهما تصريحات واضحة منددة بحكومة الكيان، بل وحتى المسؤول على العلاقات الخارجية في منظومة الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، له تصريحات مخالفة لما أقدمت عليه قيادة الاتحاد في الأيام الأولى، كما أن هناك نداءات في دول كهولندا بعدم تزويد الكيان بقطع الغيار الحربي”.

هذا لا يعني، وفق المتدخل، وصول المواقف الأوروبية “إلى لحظة الكتلة الفاصلة لتجري القطيعة مع الكيان الصهيوني”، لكنه يشي بكون “عزلة الكيان الصهيوني أمرا واقعا، باستثناء بعض الحكومات العربية”.

ثم أضاف: “قبول المحكمة الدولية دعوى جنوب إفريقيا حول إسرائيل، ولو أنها لم تكن حاسمة في وقف المجزرة، خطوة للإدانة القانونية، ثم لمزيد من الدعاوى، ونزع الشرعية، وربما الطرد من الأمم المتحدة، فهناك سابقة سحب مقعد تايوان وإعطائه للصين”.

وفي ظل موقف “إفريقيا الجنوبية”، وعدد من دول أمريكا الجنوبية التي “قطعت علاقتها مع إسرائيل”، ذكر حافظ أن “الجنوب إجمالا يقف مع فلسطين، ويجب أن تكون الدول العربية جزءا منه”، مع استحضاره أن “طوفان الأقصى” قد “عزز مكانة إيران في المنطقة، وموقفها هو طرد إسرائيل من الأمم المتحدة، فيما يعكس الموقف التركي الإرباك عند القيادة، بين تصريحات نارية للرئيس أردوغان في حين لا تزال الحكومة متمسكة بعلاقتها مع الكيان، مما يعني أن مصداقية تركيا على المحك”.

وفي تصور المتدخل، فإن “التطور الإقليمي الأخطر هو ما يحصل في جنوب البحر الأحمر؛ فالسيطرة على الممرات البحرية من اليمن قلبت موازين القوى الجيو-سياسية بشكل جوهري (…) وفقدان السيطرة على هذه الممرات ضربة قاسية للهيمنة الأمريكية”.

وقال زياد حافظ إن “الكيان الصهيوني إلى زوال”، مضيفا: “ما لا يمكن تجاهله هو فقدانه مرتكزات وجوده وديمومته، وانكسار تفوق الجيش الذي يوفر الأمان للمستوطنين المستعمرين الصهاينة الذين أصبحت لهم القوامة في المشهد السياسي الداخلي للكيان (…) وفقدان الأمن يتلازم مع فقدان الرخاء الاقتصادي”.

هذه الخلاصة تستند أيضا إلى “تحولات الوعي الشعبي الأمريكي، وتصدعات داخل الدولة العميقة (التي ما زالت داعمة لإسرائيل) يعكسها هذا التحول؛ فالكيان بصدد خسارة معركة الوعي بشكل حاسم”، ولو أن هذا يقابله “تشوش لدى النخب العربية حول مقاربة المشهد، فثقافة الهزيمة متجذرة لديها، وتجد صعوبة في تقبل أن الأمة تخرج من حالة الهزائم إلى حالة الانتصارات (…) لكن النخب المهزومة نفسيا لن تستطيع تغيير الوقائع المادية والمعنوية الناتجة عن عملية طوفان الأقصى، كما أنها لن تصمد أمام تحولات الوعي الشعبي في الوطن العربي”.

ومع استحضاره “سيل الانتقادات للنظام الرسمي العربي والإسلامي الذي لا يرتقي إلى مستوى المسؤولية المطلوبة في مواجهة العدوان”، نبه المتدخل إلى أن “مصر والسعودية لم تنخرطا في المشروع الأمريكي لمحاصرة المقاومة، بل رفضتا المشاركة في الحملة على اليمن، ولم تقبلا مشروع التهجير إلى سيناء، ووصل الأمر إلى التكذيب السعودي بشكل صريح لتصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، كما لا يمكن تجاهل رفض الرئيس المصري ورئيس السلطة الفلسطينية اللقاء مع الرئيس الأميركي في عمان، بغض النظر عن الدوافع والظروف”.

ووضح الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي أن هذا “عائق كبير لمشاريع التسوية التي تروجها الولايات المتحدة”، وهو “ما أجبرها على إسقاط القناع وتبني العملية البرية في غزة، والانتقال من موقع الوسيط غيرِ النزيه إلى موقع العدو المعلن للشعب الفلسطيني ومقاومته”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News
زر الذهاب إلى الأعلى