بعدما ظل خطاب المسؤولين يتجه نحو القول إن “المغرب يعيش إجهادا مائيا هيكليا وفترة جفاف صعبة”، تحدّث أحمد رضى شامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أمام مجموعة من الصحافيين والحاضرين بالرباط، واصفا الجفاف بـ”الهيكلي”، ما يعني أنه تحول إلى قاعدة يمكن أن “تبتلع الجهود الرسمية التي تحاول أن تحدّ من السيناريوهات الكارثية المرتبطة بالماء، خصوصاً في ظل تراجع حقينة السدود بشكل مثير للانتباه”.
الباحثون التقطوا كلمة الشامي بنوع من “اللوم للفاعل السياسي العمومي، الذي لا يستطيع أن يتفاعل مع إرادة الله بخصوص التساقطات إلا بالتضرّع والدعاء؛ لكنه كان بإمكانه أن يضع تصوّرات سياسية التقائيّة حقيقية تحافظ على الاحتياطي الوطني من المياه السطحية والجوفية”، لاسيما أن “الوضعية اليوم صارت تؤكد استمرار الجفاف لمرحلة طويلة الأمد؛ والتداعيات ستكون خطيرة على الأمن المائي المغربي”.
بين القاعدة والتقصير
رشيد فاسح، باحث في الماء، لفت إلى تحول الجفاف فعليا إلى “قاعدة بعدما كان استثناءً يعرفه المغرب كل عشر سنوات منذ السبعينيات”، مردفا: “أصبح الجفاف عبارة عن إجهاد مائي بنيوي، فمعدلات التساقطات تهبط سنة بعد سنة إلى أن تراجعت حقينة السدود”، مشيرا إلى “ضلوع التغيرات المناخية التي صار العالم يعرفها بحدة غير مسبوقة في هذا الجفاف، لاسيما في تحالفها مع سوء تدبير الموارد المائية على المستوى السياسي وعدم تنفيذ المخططات بشكل ناجع”.
فاسح، في تصريحه لجريدة النهار، وضّح أن “الأزمة المائية الحالية كان يعوزها تصور تدبيري سابق، لأن التوقعات منذ سنوات عديدة كانت تسير ضمن خارطة التنبيه إلى ما توصلنا إليه اليوم من ندرة وشح”، معتبرا “الحكومات المتعاقبة عاجزة عن القيام باستشراف مستقبلي لما آل إليه الوضع، فضلا عن التقصير الكبير في معالجة هذه المسألة بسياسات تسرّع الأوراش الكبرى المعلنة في هذا الجانب؛ فنحن لم نكثّف الجهود إلا بعد تدخل الملك شخصيا”.
وشبّه المتحدث عينه تدبير أزمة الماء بعمل رجال الإطفاء، “أي إننا لم نتدخل إلا بعد الكارثة ولم نتعاط بالجدية المطلوبة مع مشكلة الموارد المائية إلا بعدما بدا لنا بوضوح أن المستقبل ضبابي والسيناريوهات تزداد سوداوية”، مشيرا إلى “الوضع الهيكلي والبنيوي لظاهرة الجفاف، الذي قرّب رجل السياسة من الأفكار التي كانت تناقش من طرف المختصين والباحثين، وعدم أخذ التوقعات على محمل الجدّ”.
“غياب الكاريزما”
مصطفى العيسات، باحث في الماء، ذكّر بـ”غياب الدراسات والأبحاث والمتابعة الحقيقية، وهو ما ينبني على فكرة لا مفرّ منها في تشخيصنا للواقع؛ وهي أننا نفتقدُ سياسة تقوم على التخطيط للأهداف، ما جعل تعامل الفاعل السياسي مع مشكلة الإجهاد المائي تتخذ طابع تدبير الأزمة أكثر من أي شيء آخر”، وتابع: “عدم انتظام التساقطات كان واضحا منذ سنوات إلا أننا بسياستنا الفلاحيّة وسوء تدبيرنا لمخزون الماء رهنّا الأمن المائي بالضباب”.
وبنبرة تشبه الاحتجاج تحدّث العيسات عن “انتفاء التخطيط السياسي الإستراتيجي المستقبلي الذي يعدّ عنصرا أساسيا في تدبير الشأن العام”، وزاد موضحا: “هذا الانتفاء راجع إلى غياب الكاريزما في المجال السياسي. رجل السياسة يفتقد للجرأة الكافية لوضع سياسات استشرافية، نظرا للتوتر القائم بين الفاعل الحزبي والخبير، فالسياسيون سفّهوا تحذيرات الباحثين التي انطلقت منذ 20 سنة، ونبهت إلى عدم المساس بالمياه الجوفية، لاسيما في المناطق الجنوبية”.
إلى ذلك، فكّك الباحث عينه “الخطاب السياسي الذي يعتمد الماء الآن كمزايدات سياسية، لكن حملة هذا الخطاب ومروّجيه يعدون أحد أسباب سوء التدبير طيلة العشرين سنة الأخيرة التي أدت بنا إلى هذا الوضع”، مشيرا إلى “قمة مراكش للمناخ التي حضرها السياسيون المغاربة لكنهم ساهموا لاحقا في هدر الزمن التنموي”، وأضاف: “الأمور واضحة، والوضع الهيكلي للجفاف يستدعي تدخلات هيكلية ومسارعة الزمن لتحلية المياه”.