اعتبر الناقد والإعلامي بلال مرميد غياب الأشرطة السينمائية المغربية عن المسابقات الرسمية للدورة الرابعة بعد السبعين من “البرلينال” مؤشرا على أن الجهات المكلفة بتسيير سينمانا لا تعرف بيع منتوجنا، مستحضرا مشاركة فيلم التونسية المقيمة بكندا مريم جعبر بشريط طويل.
واختار مرميد، مسؤول القسم الثقافي لإذاعة “ميدي 1″، في مقال توصلت به جريدة النهار بعنوان “من برلين نفس طويل”، توجيه سؤال من برلين إلى القائمين على السينما المغربية، وهم كُثر، مستفسرا عما فعلوه لتسويق الأفلام المغربية في المواعيد الكبرى.
نص المقال:
تأتي تلك اللحظة التي أحن فيها لكي أكتب، وأغادر مؤقتاً منطقة الراحة التي ترهقني أصلاً، وأطلب مجدداً ود قلمي. في هذه اللحظة بالذات أتذكر كل أولئك الذين كانوا يصرخون ليل نهار وينادون بالعمق، ويعتدون على كلمة الاستتيطيقا، علماً أنهم لم ولن يكتبوا سطراً يفيدون به السينما.. كل أولئك النقاقيد الذين وجدتهم نائمين، وتركتهم نائمين، وسيبقون نائمين، لأن فاقد الشيء لا يمكنه أن يعطيه.. أولئك الذين لا يستوعبون كلمة واحدة مما يتفوهون به، وأولئك الذين لا ينتجون شيئاً يطالبون به، ويتمنون من كل الآخرين أن يبقوا صامتين، سامحهم الله على ما يرتكبونه.
تستفيق قليلاً، وتتوجه إلى أرض برلين التي تستقبل صناع السينما في أكبر حدث سينمائي لبداية العام.. هي الدورة الرابعة بعد السبعين من البرلينال أيها السادة.
أنطلق في تغطيتي من نفس المكان الذي يستقبلني منذ خمس عشرة سنة، وقررت أن أركز مع الاختصاص، وأبتعد عن التنظير في الكرة، وتوجيه اللوم للركراكي، وانتقاد عموتة مساء، والتعاطف معه صباحاً، ولن أنتظر مثل المعتوه إن كان إبراهيم الموهوب سيحسم انضمامه للمنتخب المغربي، أم أن دياز سيقبل بدعوة المنتخب الإسباني.
منتخبنا أكبر منه، وبالتالي أعود لمكاني الطبيعي الذي أقبل به ويتقبلني، وأعبر اليوم لمشاهدة فيلم الافتتاح: “Small things like these” لتيم ميلانتس.. “أشياء صغيرة مثل هذه” يجعل من مهرجان مثل برلين حدثاً كبيراً، في فيلم يحمل توقيع مخرج بلجيكي أتذكر جيداً تزامن مروري من بروكسيل مع فترة تكوينه. فيما بعد شرع في إخراج مسلسلات في بلجيكا، قبل أن يحقق تلك النقلة النوعية في مشوار توجه بإخراج الموسم الثالث من السلسلة الناجحة Peaky Blinders، في وقت كنت وما زلت أستنزف جهدي في مواجهة العجزة سينمائياً.
المنظمون هنا في برلين منحوه شرف تقديم فيلم الافتتاح بشريط مقتبس من رواية للكاتبة الإيرلندية كلير كيغان. الرواية تفضح استغلال الناس باسم الدين، في انتظار أن نرى طريقة ترويضها سينمائياً.
هنا في برلين، الصحافة العالمية تنتظر خطاب رئيسة لجنة التحكيم الممثلة المكسيكية الكينية لوپيتا نيونغو، وفي الصحف تعثر في أغلب المقالات على عبارة “أول رئيسة ملونة للجنة التحكيم”. الوصف يلائمهم، ويلائم هواهم، فيما يرقب الجميع من الآن لحظة تكريم الكبير مارتن سكورسيزي، من خلال تسليمه الدب الذهبي الفخري على كل إنجازاته.
طيب، ونحن؟ نحن نغيب عن المسابقات الرسمية، وهو ما سبق أن تحدثت عنه حين اعتبر كثيرون أن مشاركة أسماء المدير وكمال لزرق في مهرجان كان في ماي الماضي بداية لتسجيل حضور مغربي منتظم في المهرجانات الدولية. حينئذ صفقت لإنجاز استثنائي لا يمكن أن نقيس عليه.
هنا في برلين لم يختاروا شريطاً مغربياً، وهنا تأكيد مرة أخرى على أن الجهات المكلفة بتسيير سينمانا لا تعرف بيع منتوجنا، في حين يشارك فيلم التونسية المقيمة بكندا مريم جعبر بشريطها الطويل “ما العين” “Who Do I Belong To”، هي التي سبق أن حققت كل النجاحات الممكنة بشريطها القصير “إخوان”، وبلغت به القائمة النهائية لجائزة الأوسكار، ثم هناك الموريتاني عبد الرحمان سيساكو الذي يعود لأجواء المسابقات الكبرى بشريطه الجديد “شاي أسود” Black Tea، بعد أن تنافس سلفاً في مهرجان كان قبل أعوام بفيلم “تيمبوكتو”.
هل تريدون مثالاً آخر؟ حتى النيبال حاضرة في المسابقة، وحتى بلدان أخرى لا تصرف على السينما حاضرة، وهنا لن أعلق على هذا التفصيل.
أود فقط أن أوجه سؤالي من هنا من برلين إلى القائمين على سينمانا، وهم كُثر جدّاً: ما الذي فعلناه لتسويق أفلامنا في المواعيد الكبرى؟ أطرح السؤال، وأعبر بهدوء نحو القاعة التي سأشاهد فيها شريط الافتتاح.
هو ركن أول، في انتظار أركان أخرى تنقل الحدث العالمي للمتتبع المغربي الذي يستحق أن ننقل له الحقيقة كما هي، وله طبعاً التعليق.
شخصياً، توقفت منذ مدة عن التعليق لأني تعبت قليلاً. تعبت، لكن مثل كل عدائي المسافات الطويلة أتعب، وأرهق، ومع ذلك يمكن أن أعود في كل لحظة للسباق، وركن اليوم هو بمثابة حصة تدريبية. فقط.. فقط لا غير.. يقول العزيز نعمان لحلو إنه حين يغني لنمر سيبيريا، يرتاح الأخير وينام. حين أكتب، وأسجل بصوتي هذا الركن، لا أرتاح نهائياً، وأنزعج قبل كل الآخرين. هنيئاً لكل منا بما يقوم به.. أو بما يقترفه، والسلام.