يرى الأكاديمي عز العرب لحكيم بناني، رئيس مختبر الفلسفة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن تصور الترجمة الآلية “حلا سحريا” قد “أفضى إلى نشر مزاعم كاذبة، فلا يمكن أن نقف ضد تطور العلم، خاصة الترجمة الآلية، لكن كفيلسوف يجب أن تعرف ما القيود المنطقية والمعيارية والفلسفية لهذه الترجمة الآلية، ففيها مزاعم، على الأقل، مغالية في طموحها”.
جاء هذا في ندوة دولية بعنوان “جسور المعرفة.. تأويل الغيريّة في الفكر والترجمة” نظمتها أكاديمية المملكة المغربية في إطار الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة التابعة لها، بتعاون مع جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، وجامعة فريديريش ألكسندر إرلنغن بنورمبرغ.
وأضاف المتدخل أن “الترجمة الآلية أميَل إلى كونها طموحا خياليا، وأبرره بالمقابلة بين الترجمة والإدراك، ففي الترجمة ربح وخسارة في الوقت نفسه، مثل الإدراك؛ ألتفتُ إلى جوانب وأهمل أخرى، والترجمة ألتفت فيها إلى بعض الجوانب الدلالية في النص، مع تجاهل جوانب أخرى”.
وتابع قائلا: “هناك فرق بين شخص مزود بشريحة إلكترونية تجمع بين الهندسة البيوتكنولوجية وتكنولوجيا المعلومات، ويمكنه الحديث مبتسما أو بعبارة ساخرة، وبين من لم تزرع له الشريحة (…)، وهناك من يقول إنه لا يوجد ما يمنع أن تسير الترجمة في الطريق نفسه، وتكون النتيجة مثل الفرق في الإدراك بين السائق (الإنسان) والسيارة الإلكترونية”.
وينطلق هذا التصور من اعتبار أن “الآلية” يمكنها تجاوز “سبب سوء الترجمة المنطقي، أي عدم القدرة على الربط بين المضمون والشكل، بينما الآلية يمكنها تجاوز كثير من عوائق الإنسان الطبيعي من ذاكرة وفهم وإدراك”.
وأبرز الأكاديمي ذاته إشكال الفرضية قائلا: “تنبني على معنى شبه آلي للقاعدة، فكيف نتأكد من أن هذه المعرفة تنتج بالفعل النتائج الدقيقة التي تجيز القول إني قد فهمت؟ وكيف تجيز لي معرفة قواعد اللغة الأجنبية قول إني أحسنت الترجمة؟ فمعرفة اللغة لا تعني معرفة كل القواعد (…) والدلالات، حسب فيتغنشتاين، حتى لو كانت موضوعية لا يمكنها استحضار كل الاستعمالات المستقبلية الممكنة، وكل تطبيق للقاعدة على حالة جديدة تطبيق جديد وقرار جديد”.
لذلك، يواصل المتدخل، “لا نستطيع صياغة خوارزميات الكلام، والفهم، والترجمة الخاصة باللغة الطبيعية، والعلامات غير اللغوية مثل الحركات والنظرات والصور والأصوات والحركات الجسدية دون أية خسارة”، بل “نأخذ أشياء ويلزمنا التخلي عن أخرى”.
وخلص إلى أن “الترجمة ليست إلا مساعدة أولية على فهم أمهات الكتب الفلسفية نتيجة السمات المشتركة بين مشكلات الإدراك ومشكلات الترجمة، فهناك أشياء كثيرة تحذف من الترجمة عادة، من عبارات ساخرة وأمثلة وعبارات جازمة، وهناك أشياء تضاف إلى الترجمة مثل اللغة الشارحة حتى تصبح اللغة واضحة”.
وأردف قائلا: “في الترجمة نوازن بين الربح والخسارة وكيف نعمم نتائجهما (…)، وهناك من يتخيل مثل (حراري) أنه بالرجوع إلى خوارزميات الحاسوب سيكون الإنسان الآلي قادرا على محاكاة الانفعالات البشرية بعد معرفته ما يحس به الناس والقيام بقياسه، بعد الاندماج بين التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات (…)، وهناك أمل في ظهور الترجمة الآلية وتحسن جودة الترجمة، خاصة في مجال المعجم والعلوم الطبيعية والرياضية والهندسية ومجالات أخرى في بعض اللغات الخاصة، لكن في المجال الفلسفي لا يمكن لأن هناك أفعالا إنجازية في اللغة الأصل، وأخرى في اللغة الهدف، وهناك تقاطع بين اللغتين، وفي كل تقاطع بين الأنا والآخر ربح وخسارة، وهناك دائما ما نكتسبه وما نخسره في عملية الترجمة”.