“هجمات افتراضية شرسة” تغضب محترفي المهن الموسيقية في المغرب

ما يزال النقاش بين الفنانين المغاربة وعدد من المنتمين إلى المجال الديني مستمرا؛ فبين الفينة والأخرى تشهد مواقع التواصل الاجتماعي “تدافعا حادا” بين الطرفين، يوشك في عدد من المناسبات على الانتهاء بين أيدي القضاء.

ويرفض مهنيو الموسيقى والفنون عادة أي اتهام لهم بـ”الفسق والخروج عن الملة وإفساد أخلاق العباد”. فبحسبهم، تعد هذه الاتهامات التي تصدر عن قلة من المنتمين إلى المجال الدعوي “مسا بكرامة الفنان المغربي، وتأثيرا على مساره المهني”.

ودخلت النقابة الوطنية للمهن الفنية على الخط، إذ رفضت “تعرض الفنان والمبدع المغربي لهجمات شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي من طرف أناس يتحدثون باسم الدين، الأمر الذي يؤدي إلى فتح الباب أمام اتهامات كبيرة في حق الفنان والمس بكرامته”.

وضمن بلاغ لها أصدرته عقب النقاش الحاد بين فنان وواعظ ديني بمنطقة سوس، أوضحت النقابة أن “هذه الاتهامات جعلت الفنان المغربي يواجه إكراهات ومشاكل كثيرة تجاه مساره المهني، وحتى على مستوى الجانب الأسري وداخل محيطه السوسيو-ثقافي كذلك، على اعتبار أن هذا الأمر يخلق ظنونا وأقاويل ماسة بشرفه وكرامته”.

بدورهم، استنكر مهنيون في المجال الفني ممن تحدثوا لجريدة النهار “ركون بعض الدعاة بالعالم الرقمي نحو التنقيص من عمل الفنان المغربي وتصويره على أنه متناقض مع الدين والثقافة المجتمعية”، الأمر الذي رأوه “عنفا نفسيا” ضدهم.

تأييد الحوار

سعيد ابن احمد، فنان موسيقي بشيشاوة، قال إن “الجسم الفني يرفض أية محاولة للنيل منه ومن سمعته داخل المجتمع المغربي، حيث يرفض التنابز بالألقاب وتبادل الاتهامات بشكل عشوائي وحاد، على اعتبار أن هذه الحملات تكون حاطة من كرامته وكرامة عائلته وأبنائه؛ ففي الأخير يبقى الفنان جزء من هذا المجتمع شأنه في ذلك شأن المهنيين الآخرين”.

وأضاف بن احمد، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “النقاش بخصوص العلاقة بين الفن والدين تم حسمه منذ مدة، ولذلك تبقى إعادة طرحه مجرد هدر للوقت والجهد، في وقت كان من الأجدر التوجه نحو إغناء النقاش المجتمعي الهادف الذي يكون في صالح الجميع؛ ففي نهاية المطاف، لا يمكن تخيل مجتمع بدون فن”.

وأوضح المتحدث أن “هذه الموجة من استهداف الفنانين وصلت إلى مستويات متقدمة خلال السنوات الست الأخيرة، بشكل بات يحط من كرامتهم ويصورهم على أنهم أساس جميع الإشكاليات المجتمعية”، مردفا بأن “المجتمع بحاجة إلى نقاش هادف حول جميع المسائل، في وقت لا يفيد فيه التهجم على بعضنا بعض”.

ولفت الفنان الموسيقي إلى “ضرورة الاحتكام إلى العقل والحجة عند إثارة أي موضوع يتعلق بالفنان المغربي؛ ذلك أن أي تهجم ضده يعني تهجما على جزء من النسيج المجتمعي المغربي، وهو تهجم كذلك على عائلته وأبنائه ومحيطه الأسري”، داعيا إلى “مغرب أكثر اتساعا”.

“تمييز سلبي”

بريك أتيك، فنان سمفوني قائد مجموعة غنائية بجهة مراكش آسفي، قال إن “استهداف الفنانين من أي جهة يبقى عملا مرفوضا ومنددا به، على اعتبار أنه يشكل ضربا في هؤلاء الأفراد الذين يقتاتون من المجال الفني، شأنهم في ذلك شأن مختلف القطاعات الأخرى، وبالتالي يجب ألا يكون هنالك تمييز سلبي ضدهم، بشكل يشعرهم بأنهم يرتكبون أعمالا شنيعة”.

وكشف أتيك أن “مردودية الممارس للعمل الفني تتأثر فعليا بهذا النوع من الخطابات التي توجه ضده بنية تقزيمه وعزله عن المجتمع ككل، فهو باق ما دام المجتمع باقيا لكونه في الأصل جزءا لا يتجزأ منه”، موضحا أن “هذا الجو الذي تتخلله الاتهامات يضع الفنان في وضع محرج مع أبنائه ووسطه الأسري”.

واعتبر المتحدث أن “هذه الموجة ضد الفنان المغربي تضخمت بشكل كبير عقب جائحة كورونا، إذ تسلل أشخاص محسوبون على المجال الديني والإرشادي إلى المنصات الرقمية بهدف الانتقاص من الجسم الفني عوض مناقشة مواضيع تدخل في صلب اختصاصاتهم”.

وخلص الفنان السمفوني إلى أن “الفن ضروري في المجتمع، فهو مساهم في ترسيخ الثقافات وحماية الموروث اللغوي والشفوي للبلاد، وهو كذلك مساهم في التعبير عن مختلف القضايا الاجتماعية وطرحها للتداول والنقاش في أفق حلها”، مؤكدا “ضرورة المرور نحو تصور جديد للفن داخل المجتمع”.

Exit mobile version