ضعف استهلاك الأدوية الجنيسة يطرح الحاجة إلى قوانين صارمة بالمغرب
ما زال استهلاك الأدوية الجنيسة في المغرب ضعيفا جدا مقارنة مع دول أخرى تمثل فيها هذه الأدوية نحو 80 في المئة من الأدوية المستهلكة، مثل فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، بينما بالكاد تصل النسبة في المغرب إلى 40 في المئة.
الحاجة إلى قوانين
يعزو فاعلون في قطاع الصحة سبب ضعف استهلاك الأدوية الجنيسة في المغرب إلى مجموعة من العوامل؛ في مقدمتها غياب نصوص قانونية قوية تعزّز حضورها في السوق، والضغط متعدد الأبعاد الذي تمارسه شركات إنتاج أو استيراد الأدوية، التي تفضّل تسويق الدواء الأصلي نظرا لفارق الربْح الذي تجنيه منه مقارنة مع الدواء الجنيس.
وكان الرفع من استهلاك الدواء الجنيس ضمن التوصيات الصادرة عن المؤتمر الوطني الطبي للجمعية المغربية للعلوم الطبية، المنعقد نهاية الأسبوع المنصرم، حيث أوصى المشاركون في المؤتمر بالعمل على تسريع تنزيل الوكالة الوطنية للأدوية والمنتجات الصحية، ومضاعفة الجهود للرفع من نسبة استهلاك الأدوية الجنيسة، التي لا تتجاوز 40 في المئة، مقارنة بـ70 في المئة في فرنسا، و80 في المئة في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب المصدر ذاته، فإن الرفع من نسبة استهلاك الأدوية الجنيسة في المغرب يتطلب تحفيز المهنيين، من أطباء وصيادلة، واعتماد الملف الطبي الرقمي المشترك.
وبالرغم من أن استعمال الدواء الجنيس له مزايا متعددة؛ ذلك أن ثمنه أرخص وفعاليته لا تقل عن فعالية الدواء الأصلي، إلا أن وصفات الأطباء والصيادلة في المغرب تتضمن أدوية أصلية، بحسب إفادة الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية.
وقال حمضي، في تصريح لجريدة النهار، إن الدول المتقدمة التي وصلت فيها نسبة استهلاك الأدوية الجنيسة إلى 70 و80 في المئة، مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، استطاعت الوصول إلى هذه النسبة بفضل القوانين والتشريعات وتشجيع صناعة هذا النوع من الدواء، إضافة إلى تقديم تحفيزات لمهنيي الصحة، من أطباء وصيادلة، لوصفها للمرضى.
واعتبر المتحدث ذاته أن القوانين المعتمدة في المغرب ما زالت تعطي الأولوية للأدوية الأصلية، سواء المصنّعة محليا، أو المستورَدة من الخارج، على حساب الأدوية الجنيسة، داعيا إلى تحفيز الأطباء والصيادلة على وصف الأدوية الجنيسة.
ثمّة عائق آخر يُبقي استعمال الأدوية الجنيسة في المغرب ضعيفا، يتعلق بالخطاب الذي تروجه مختبرات صناعة الأدوية؛ ذلك أن هذه الأخيرة تزعُم أن صنْع الأدوية الأصلية يشجّعها أكثر على البحث العلمي، وهو ما يعتبره الدكتور حمضي غير صحيح.
والدليل على ذلك، يردف المتحدث ذاته، “هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، التي تُعد من الدول الرائدة في مجال البحث العلمي، تصل فيها نسبة استهلاك الأدوية الجنيسة إلى 80 في المئة”، لافتا إلى أن سبب تفضيل المختبرات للأدوية الأصلية، هو أنها تُدرّ عليها أرباحا أكثر.
واعتبر الخبير في السياسات والنظم الصحية أن تجاوُز هذا الإشكال يتطلب قوانين وتشريعات صارمة تمكّن من القطع مع الإغراءات التي تقدمها مختبرات صناعة واستيراد الأدوية لمهنيي الصحة، بهدف دفعهم إلى وصْف الأدوية الأصلية للمرضى بدل الأدوية الجنيسة.
غلاء دواء جنيس
فنّد علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة الحق في الحياة، الزعم بأن تسويق الأدوية الأصلية يحفّز البحث العلمي في قطاع الصناعة الدوائية، قائلا: “في دول متقدمة تناهز نسبة استهلاك الأدوية الجنيسة ثمانين في المئة. وعندما نتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية، فإننا نتحدث عن معقل البحث العلمي في العالم”.
واعتبر لطفي، في تصريح لجريدة النهار، أن مسؤولية رفع نسبة استهلاك الأدوية “تقع على عاتق صناع القرار”، مضيفا: “رغم كل النداءات المتكررة الصادرة عن الجمعيات وهيئات الأطباء لتوسيع قاعدة استهلاك الأدوية الجنيسة، إلا أن النسبة تتراوح ما بين 34 و40 في المئة”.
وحمّل لطفي، بدوره، مسؤولية ضعف استهلاك الأدوية الجنيسة في المغرب إلى “لوبيات الصناعة الدوائية”، موردا أنها “تقف سدّا منيعا أمام توسيع قاعدة استهلاك الدواء الجنيس في بلدنا، ووزارة الصحة هي التي يجب أن تفرض على هذه الشركات الرفع من صناعة هذا الدواء إلى 50 أو 60 في المئة على الأقل، في أفق 80 في المئة كما هو الحال في دول متقدمة”.
وجوابا على سؤال بخصوص ما يتم الترويج له من كون الأدوية الجنيسة أقلّ فعالية مقارنة مع الأدوية الأصلية، قال لطفي: “هذه مغالطات لا أساس لها، يتم ترويجها من أجل هيمنة الدواء الأصلي”.
وكانت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية قد أصدرت مرسوما يتعلق بالتكافؤ الحيوي للأدوية الجنيسة، تُلزم بموجبه المؤسسات الصيدلية الصناعية بوضع دراسة التكافؤ الحيوي عند تقديم ملف طلب تجديد الإذن بعرض الأدوية في السوق بالنسبة لكل الأدوية الجنيسة المسوقة التي لم تخضع لدراسة التكافؤ الحيوي، والأدوية الجنيسة التي توجد ملفات طلبات الإذن لها بالعرض في السوق قيد الدراسة.
وسبق لوزارة الصحة أن ردّت على سؤال طرحه الفريق الحركي بمجلس النواب، السنة الماضية، بأن حصص السوق من الأدوية الجنيسة تصل إلى 90 بالمائة في السوق العمومي، حيث يتم اقتناء الأدوية الأقل سعراً، وتكون عبر عروض أثمان.
وأشارت إلى أن مؤشر ولوج السوق الخاص إلى الأدوية الجنيسة، التي بدأ تسويقها في المغرب منذ سبعينيات القرن الماضي، ارتفع من 29 بالمائة سنة 2010 إلى حوالي 40 بالمائة حاليا، وأن عدد الأدوية الجنيسة بالمغرب يصل إلى 3610، يتم تسويقها حاليا من بين إجمالي 4303 دواء.
ويبقى اللافت للانتباه في موضوع الأدوية الجنيسة، هو “أن بعض أنواع هذه الأدوية تُباع في المغرب بسعر أعلى من السعر الذي يُباع به الدواء الأصلي في دول أوروبية”، بحسب إفادة علي لطفي.
وإذا كانت نسبة استهلاك الأدوية الجنيسة في المغرب ما تزال ضعيفة جدا مقارنة مع دول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، فإن سعرها يظل أعلى بكثير مقارنة بسعرها في دول في المنطقة.
في هذا الإطار، قال رئيس الشبكة المغربية من أجل الحق في الصحة الحق في الحياة إن سعر دواء التهاب الكبد الفيروسي في المغرب يزيد بستّة أضعاف عن سعره في مصر، حيث يُباع في هذه الأخيرة بـ800 درهم مغربية، في حين يتراوح سعره في المغرب بين 4000 و6000 درهم.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن تمكين مصر مواطنيها من اقتناء الدواء الجنيس بسعر منخفض، مكّنها من خفض نسبة الإصابة بفيروس الالتهاب الكبدي بنسبة 85 في المئة، معتبرا أن المدخل الأساس لرفع نسبة استهلاك الدواء الجنيس، وتوفيره بسعر مناسب، “هو إصدار قوانين تفرض على الشركات المصنّعة أو المستوردة تصنيع الدواء الجنيس بنسبة كافية، وتحديد سعره”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News