لا حديث هذه الأيام بين المغاربة إلا عن الماء، فالكل بات يترقب آخر مستجدات هذا الملف بعد أن بدا واضحا أن المغرب يعيش إجهادا مائيا هو الأول من نوعه بفعل توالي سنوات الجفاف، الأمر الذي جعل المياه في صدارة “قائمة المطلوبين” على الصعيد الوطني.
ووسط هذه الأزمة بدأت التحليلات والتحقيقات تتناسل في اتجاه الكشف عن الواقف وراء ما وصلت إليه البلاد بخصوص الموارد المائية. ومن بين “المُشار إليهم” في هذا الإطار زراعة فاكهة الأفوكادو، التي باتت مطلوبة أكثر على مستوى “محكمة الفايسبوك”، صلة بآخر الدراسات التي تتعلق بنسب الإجهاد المائي غير المسبوق وبنسب استهلاك هذه الزراعة للماء.
واعتبر عدد من المغاربة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي أن “زراعة الأفوكادو تعد سببا رئيسيا في تراجع الفرشة المائية الوطنية”، معبرين عن رفضهم “استمرار المغرب في الترخيص لهذه الزراعة”، إذ تبقى حسبهم “نشاطا يهدف أساسا إلى تصدير الموارد المائية للبلاد صوب الخارج لا غير”.
وفي تفاعلهم مع الموضوع أكد مهنيو قطاع إنتاج وتصدير الأفوكادو بالمغرب، ممن تحدثوا لجريدة النهار، أن “الدفع في اتجاه تصوير هذه الزراعة على أنها السبب في ما وصل إليه الماء بالمغرب أمر مرفوض”، موردين أن “عددا من الزراعات تستهلك هي الأخرى الكمية نفسها من المياه، الأمر الذي يستوجب الاحتكام إلى العلم قبل مناقشة هذا الملف”.
اتهامات غير علمية
عبد الله اليملاحي، رئيس جمعية الأفوكادو المغربية، أفاد بأن “الاتهامات التي تم كيلها لمنتجي الأفوكادو بالمغرب خلال الفترة الأخيرة تعد مرفوضة، على اعتبار أنها غير علمية وغير مؤسسة على أرقام دقيقة، إذ إن إنتاج الأفوكادو يستهلك الماء كما يستهلكه إنتاج التفاح والإجاص، وإنتاج اللحوم كذلك”.
وأضاف اليملاحي في تصريح لجريدة النهار: “لو كان بالفعل ثابتا أن الأفوكادو تستهلك المياه كما يتم تصويره لكنا السباقين إلى وقف الإنتاج، غير أننا نعتمد في عملنا على الأرقام العلمية التي تبقى موثوقة، وتشير إلى أن هنالك زراعات أخرى تستهلك المياه”، موردا أن “هذا الملف تم تسييسه فعليا بعد دخول الإسرائيليين للاستثمار فيه بالمغرب، وبالتالي وجب أن نبعد هذه الزراعة الوطنية عن أي مسائل سياسية”.
وتابع المتحدث ذاته: “كل الاتهامات مصدرها أناس لا دراية لهم بالقطاع الفلاحي، ولا يدرون على سبيل المثال كم يستهلك التفاح والإجاص وإنتاج الكاكاو كذلك، فهذا الأخير يتم رشه بالماء باستمرار، في وقت نقوم نحن باعتماد تقنيات التقطير التي تمنع هدر المياه”.
واعتبر رئيس جمعية الأفوكادو المغربية أن “إنتاج كيلوغرام واحد من الأفوكادو يتطلب ما بين 900 وألف لتر من الماء، وهو ما ينطبق تقريبا على إنتاج كيلوغرام واحد من التفاح والإجاص؛ على اعتبار أن متوسط استهلاك إنتاج الفواكه للماء يصل إلى 962 لترا للكيلوغرام الواحد، ويصل لدى الخضراوات إلى 300 لتر، في حين يصل إلى 1020 لترا في ما يخص إنتاج اللتر الواحد من الحليب”.
الاستدلال بالأرقام
عبد الرحيم العميم، مهني في القطاع بمنطقة العوامرة التابعة لإقليم العرائش، قال إن “أزمة الجفاف الحالية دفعت عددا من المواطنين إلى مهاجمة زراعة الأفوكادو بحجة أنها أكثر الزراعات استهلاكا للمياه، وهذا فيه نوع من المبالغة، على اعتبار أنهم ربما ليسوا من الدارسين للموضوع وليست لديهم معرفة مسبقة”.
وسجل العميم، في تصريح لجريدة النهار، أن “هذه الزراعة ليست بالحجم الذي يتم تصويره، فهي منتشرة أساسا بالمنطقة الممتدة من مولاي بوسلهام إلى العراش، وحتى المساحة المزروعة وطنيا لا تتعدى 10 آلاف هكتار”، موردا أن “هذا النوع من الزراعة متموقع بمنطقتي اللوكوس والغرب اللتين لا تعرفان الشح في المياه إلى حدود اليوم”.
واعتبر المتحدث ذاته أن “الكلام الرائج بخصوص كون الأفوكادو فاكهة مرتفعة الثمن وغير مطلوبة لدى المستهلك المغربي لا أساسا له من الصحة، في حين أن هنالك على سبيل المثال فواكه حب الملوك والإجاص والتفاح التي تستهلك كميات مهمة من المياه، إلا أنها تظل خارج استهلاك شريحة واسعة من المواطنين”.
وأكد المهني المذكور أن “الحديث عن هذه الزراعة الوطنية يتطلب العودة إلى الأرقام العلمية، ومن ثم الانطلاق في نوع من المقارنة بينها وبين الزراعات الأخرى، وذلك مع استحضار كون القطاع عرف طفرة نوعية في مجال المكننة وعصرنة نظام الري باعتماد التنقيط الذي يعد ذا فعالية في محاربة هدر المياه”.