عاد وزير الثقافة الفلسطيني، عاطف أبو سيف، إلى الضفة الغربية المحتلة من قطاع غزة، حيث علق لمدة تسعين يوما، ويقول إن القطاع بعد انتهاء الحرب سيحتاج إلى “إيجاد غزة جديدة لا إلى إعادة بناء” فحسب.
ويضيف الوزير لوكالة فرانس برس من مكتبه في رام الله: “غزة لم تعد غزة… الحزن والألم هناك مؤجلان، لأنه لم يعد لهما معنى، والحرب الحقيقية التي ستواجهنا هي بعد الحرب”.
وكان أبو سيف توجه إلى غزة لإحياء اليوم الوطني للتراث الفلسطيني الذي يصادف السابع من أكتوبر من كل عام، وهو اليوم الذي شنت فيه حماس هجوما مباغتا غير مسبوق على جنوب إسرائيل أوقع أكثر من 1160 قتيلا، وردّت عليه إسرائيل بقصف مدمّر على قطاع غزة أوقع أكثر من 27800 قتيل.
وقضى أبو سيف المتحدّر من غزة 48 يوما مع ابنه البالغ 17 عاما وأفراد من عائلته في مخيم جباليا في مدينة غزة، قبل أن يقصف المنزل ويضطروا إلى النزوح إلى رفح في جنوب القطاع المحاصر.
ويروي الوزير أنه ساعد بعد إحدى الغارات الإسرائيلية في انتشال جثث من تحت الأنقاض في جباليا، ويقول: “خرجت مع صديق لي للمساعدة في انتشال ضحايا من تحت أنقاض منزل قريب، وفوجئنا بأن جثة انتشلها صديقي كانت لابنه الذي لم يتجاوز 16 عاما”.
وأبو سيف (50 عاما) هو واحد من ثلاثة وزراء في الحكومة الفلسطينية التي تتخذ من رام الله مقرا يتحدّرون من قطاع غزة، له 14 شقيقا وشقيقة يعيشون في أنحاء مختلفة من القطاع.
ويقول أبو سيف: “في غزة حرب بشعة. أكثر من مائة من أقاربي قتلوا، منهم شقيقة زوجتي وأبناؤها، وهدمت بيوت العائلة بالكامل”، ويتابع: “في غزة، لا تبقى على قيد الحياة لأنك اتخذت تدابير وقائية، ولا تموت لأنك لم تتخذ هذه التدابير. إنما من الممكن أن تموت أو لا تموت لمجرد الصدفة”.
تدمير المرافق الثقافية
بعد 90 يوما على بدء الحرب، خرج أبو سيف إلى مصر بعد تنسيق مع الجانب المصري، ومن ثم توجّه إلى الأردن قبل أن يعود إلى الضفة الغربية، ويقول: “لا يمكنني أن أتخيل شكل حارتي في مخيم جباليا الآن حين أعود ولا أجد نصف أصدقائي (…) أنا بتّ مرعوبا من أن تنتهي الحرب، إلى هذه الدرجة”.
وبحسب تقرير صادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية حول الأضرار التي لحقت بالقطاع الثقافي الفلسطيني في قطاع غزة فإن نحو 24 مركزا ثقافيا تضرّرت كليا أو جزئيا، كما تضرّر 195 مبنى تاريخيا، بينها كنائس ومساجد.
ولحق الضرر بثماني دور نشر ومطابع وثلاثة استوديوهات وشركات إنتاج إعلامي وفني، وفق التقرير.
ويتساءل أبو سيف: “لا أفهم مثلا لماذا يتم تدمير متحف فيه أعمدة قديمة عمرها خمسة آلاف سنة، ومركز (رشاد شوا) الثقافي، وأماكن أثرية فينيقية قديمة؟ ولماذا تدوس الجرافات ميناء فينيقيا في غزة، وهو من أقدم الآثار هناك؟”، ويشير إلى أن متحف القرارة الذي كان يفترض أن يتم فيه إحياء يوم التراث في قطاع غزة للمرة الأولى دمر في القصف الإسرائيلي.
ويضيف المتحدث بأسف: “حتى نظام التعليم في غزة انتهى، وهو ما لم يحدث أيام النكبة في العام 1948، ولا أيام النكسة في العام 1967”.
ويستغرب أبو سيف “صمت” مؤسسات الإغاثة الإنسانية الدولية ومنظمة اليونسكو إزاء ما يجري في القطاع، ويقول: “كان الصليب الأحمر أول مؤسسة غادرت مكاتبها في جباليا، رغم أن عملها يجب أن يتكثّف في الحروب”؛ ويلوم اليونسكو على “سكوتها إزاء هدم المراكز الثقافية والأثرية في غزة”.
يوميات الحرب
بعد عودته من القطاع قبل أسابيع، طلب وزير الثقافة من كتاب وروائيين فلسطينيين وأدباء يعيشون في غزة توثيق أيامهم، قبل أن يجمعها في كتاب صدر عن وزارة الثقافة الفلسطينية بعنوان: “كتابة خلف الخطوط، يوميات الحرب في غزة”.
وساهم في الكتاب 24 كاتبا وكاتبة. ومن عناوين المقالات “حمار العودة” الذي يتحدث فيه الكاتب عن التنقل في غزة بواسطة الحمير بعد شحّ الوقود وتدمير المركبات، و”من بيت ستي إلى الخيمة”، و”سبع مرات نزوح”، و”خيمة رأس الشيطان”، و”نأمل أن ننجو”.
ويقول أبو سيف عن الكتاب: “هذا ليس كتابا عن غزة، لكنه كتاب عن الإنسان والمكان والحياة فيه خلال الحرب”، ويضيف: “الكتابة خلف الخطوط شهادة حية وشهادة صمود وبقاء، ونصوص إنسانية صادقة”.
وعن رأيه في ما ستؤول إليه الحرب، يقول أبو سيف إن الحرب “ستطول وآلامها ستطول”، لكنه يستدرك بالقول: “لا خيار لإسرائيل سوى العيش معنا والعيش بسلام”.