ردود الدبلوماسية الجزائرية تنكسر على صخرة المبادرات الاستراتيجية للمملكة
تواصل الجزائر نهجها الدبلوماسي الموسوم بردود الفعل إزاء كل مبادرة أو خطوة أقدمت عليها الرباط في المنطقة، وهو الأمر الذي يفسر الزيارة التي قادت وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، أمس الجمعة، إلى تونس، لعقد محادثات ثنائية مع نظيره التونسي، نبيل عمار.
وحسب الخارجية الجزائرية، فإن المحادثات بين دبلوماسيتي البلدين تركزت حول علاقات “الأخوة والتعاون الجزائرية-التونسية”. وأشاد الطرفان بما سمياها “الأهمية المتزايدة التي يحظى بها راهنا ملف تنمية وترقية المناطق الحدودية التي تشكل نقاط التلاقي والتلاحم الأولى والمباشرة بين الشعبين الشقيقين”.
كما شكل اللقاء فرصة لبحث تطورات الأوضاع على الصعيد “الإقليمي في منطقة الساحل الصحراوي”، وأكد بشأنها الوزيران “توافق تحاليل ومواقف البلدين، مع التشديد على حرصهما على مواصلة وتعزيز التنسيق على مختلف الأصعدة خدمة لأهداف السلم والأمن في المنطقة”.
التراجع الجزائري
إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش، اعتبر أن الزيارة “لا يمكن فصلها عن التراجعات التي لحقت الأداء الدبلوماسي الجزائري في هذه المرحلة، خصوصا تراجع الثقة في مبادرة الجزائر بمالي”.
وأضاف لكريني، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية حول قراءته للحدث، أن زيارة عطاف إلى تونس تبين أن السلوك الجزائري، خصوصا في المنطقة، “يقوم على رد الفعل، وهو ما يجعل هذه السياسات غير مبنية على أساس استراتيجي، خاصة وأن الخيار المغاربي شهد تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة من الجانب الجزائري الذي أصر على إغلاق الحدود في مرحلة سابقة مع المغرب، قبل أن يعلن من جانب واحد قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب”.
وبين الخبير في العلاقات الدولية أن المغرب على الرغم من كل هذه الإشارات السلبية من الطرف الجزائري، “ظل على أعلى مستوى ينحو إلى التواصل والتحسيس باستمرار إلى استخلاص الدروس من العالم، ومما يجري من تطورات وتحولات دولية متسارعة تسائل الجميع، وتفرض طي الخلافات والانفتاح على المستقبل في أفق استثمار الإمكانيات المتاحة والاستفادة من الفرص التي يتيحها التعاون على المستوى الإقليمي”.
وزاد أن المغرب يبدو أن لديه “استراتيجية واضحة غير مبنية على ردود الفعل، طورت مستوى علاقاته في الفضاء الإفريقي التي تعززت بشكل كبير بعد عودته إلى الاتحاد الإفريقي”، مؤكدا أن هذا التطور سجل بخصوص إقناع مجموعة من الدول الإفريقية بمشروعه “الواعد المتعلق بالاستفادة من الواجهة الأطلسية خصوصا، بعد ترحيب مجموعة من دول الساحل بمبادرته جعل مجموعة من إمكانياته، من موانئ وطرق سيارة، رهن إشارة الدول الإفريقية، في سياق تعاون مبني على تبادل المصالح وعلى الاستفادة من الخبرات والتجربة المغربية في مختلف المجالات”.
وأشار لكريني إلى أن التطورات التي يشهدها أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي سيربط بين مجموعة من البلدان الإفريقية وأوروبا مرورا عبر المغرب، “هي مبادرات استراتيجية ولها بعد تشاركي”.
دبلوماسية رد الفعل
في المقابل، اعتبر المتحدث لجريدة النهار أن مجموعة من المبادرات الجزائية تقوم على “رد الفعل ومحاولة تضييق الخناق على المغرب، وشتان ما بين السياسات الاستراتيجية التي تنبع من مصلحة الدولة المغربية ومصلحة البلدان الإفريقية، وما بين سياسات عشوائية مبنية على رد الفعل ومقاربات آنية ومصلحية ضيقة، ستفوت حتى على الجارة الشرقية للمغرب مجموعة من الفرص، سواء على مستوى تعزيز البناء المغاربي أو على مستوى الاستفادة من الإمكانيات المتاحة في سبيل مواجهة تحديات مشتركة ومخاطر تهم المنطقة كلها”.
وشدد الأكاديمي المغربي على أن زيارة عطاف إلى تونس “لا يمكن أن تُقرأ إلا في هذا السياق، على اعتبار أن النظام الجزائري يحاول أن يخلق نوعا من الفرقة داخل الفضاء المغاربي”، لافتا إلى أنه “بعد الخطأ الذي ارتكبته السلطات التونسية فيما سبق، والذي أثر بشكل ملحوظ على العلاقات المغربية التونسية، مازالت الجزائر مصرة على تكريس هذا الانقسام”، مؤكدا أن هذا السلوك “قد يبدو في ظاهره أنه يدعم الحضور الجزائري على المستوى الإقليمي، لكنه في عمقه يكرس الهدر والفرقة في المنطقة المغاربية، خصوصا وأن الجزائر تحاول أن تقحم تونس في مشاكل هي في منأى عنها”.
وسجل لكريني أن المسؤولين التونسيين “حرصوا منذ عقود على توخي حياد سلبي وتعزيز العلاقات المغاربية والسعي إلى تعزيز التعاون”، موضحا أن الجزائر تحاول أن تكرس “هذه الفرقة المغاربية، وهذا لن يكون في صالح المصالح الاستراتيجية الجزائرية ولا التونسية في المنطقة”، حسب تعبيره.
من جهته، قال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، إن “الفشل سيظل ملازما للجزائر في سياستها الخارجية، لأنها ليست سياسة مبنية على تصور ورؤى وتخطيط، بل هي سياسة انفعالية، مبنية على افتراض عداء المغرب للجزائر، وبالتالي كل السياسات الجزائرية الخارجية مبنية على معاداة ما هو مغربي والمصالح المغربية”.
وأضاف الشيات، في تصريح لجريدة النهار تقاطع فيه مع ما ذهب إليه لكريني، أن “سياسة الجزائر لا يمكن أن تنجح، لأنها لا ترتبط بأي شق من الجوانب ذات الطبيعة الاستراتيجية، والسياسة الخارجية مبنية على رؤى وتصورات قائمة على القدرة على التوقع وجلب المزايا ودفع التحديات والتهديدات ضد الدولة، وهذا لا يوجد فيما يتعلق بالمغرب أو يقوم به”، مؤكدا أن سياسات المغرب “ليست تهديدا للجزائر حتى تقوم بردود الفعل المرتبطة بسياساتها الخارجية ضد ما هو مغربي”.
إرشاء النظام التونسي
وأشار الشيات إلى أن الجزائر تفضل أن يكون جوارها كـ”تونس، وهي نموذج جيد بالنسبة لها كدولة تعبر عن خنوع وانبطاح كبيرين للجزائر، وتبعية حتى، وعدم القدرة على تقديم أي بديل لما تقوم به الجزائر، مقابل بعض الدريهمات، وهو أمر مخجل لدولة حافظت لسنوات على كرامتها السياسية”.
وزاد مبينا أن حكام قصر المرادية يفضلون “نظاما يمكن شراء ذمته والتعامل معه بمنطق الربح والخسارة”، معتبرا أن الحديث عن تنمية الحدود بين البلدين “أمر لا يستقيم اليوم، ويجب أن يكون قد تم منذ عقود”، مستدركا بأنه “إذا حدث، فهو إيجابي للمنطقة المغاربية، ونريد أن تكون المنطقة مندمجة ومتكاملة ومتعاونة تتجاوز فيها الدول الحدود وتتحدث عما تتحدث عنه الدولتان اليوم، ولكنه في الحقيقة هو رشوة سياسية لتونس من أجل كسب مواقف سياسية أكثر معاداة للمغرب”، وفق تعبيره.
وشدد أستاذ العلاقات الدولية على أن الجزائر من خلال هذه الزيارة “يمكن أن تحاصر التوجه الجديد للمغرب على مستوى دول الصحراء، رغم أن علاقات جوارها الأساسي مع هذه الدول، وهي دولة معادية بالنسبة لهذه الدول وتصنف من طرف النيجر ومالي دولة معادية وليست متعاونة”.
وختم الشيات قائلا: “الجزائر لا تقدم أي تصورات ذات طبيعة تعاونية وتكاملية أو اقتصادية، فهي تريد من هذه الدول أن تبقى تابعة، وهذا هو المشكل في السياسة الخارجية الجزائرية، لأنها تريد دولا تابعة وليس دولا متعاونة ومتكاملة”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News