ناقش الطالب الباحث أحمد زابيلا، نهاية الأسبوع، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بمراكش، تناول فيها موضوع “دور رجل السلطة في الضبط السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي”، حصل بموجبها الطالب الباحث الذي يشتغل رجل سلطة، على الدكتوراه في القانون العام، بميزة مشرف جدا مع تنويه اللجنة بهذا العمل العلمي.
وتكونت اللجنة العلمية لهذه المناقشة التي تمت في إطار وحدة التكوين والبحث والقانون الدستوري وعلم السياسة بالكلية نفسها، من كل من حسن صحيب، الأستاذ في كلية الحقوق بمراكش بصفته مقررا ورئيسا، ومحمد بن طلحة الدكالي الأستاذ في الكلية نفسها مشرفا وعضوا، وعضوية الأساتذة محمد أشلواح، والسعدية بورايت، ومحمد العابدة.
واستهلت مداخلات أعضاء لجنة المناقشة بكلمة افتتاحية للدكتور محمد بنطلحة الدكالي، أكد من خلالها أن هذا البحث العلمي يندرج في إطار انفتاح وانخراط جامعة القاضي عياض في دينامية التأصيل القانوني الجديد لمفهوم رجل السلطة في المملكة حتى يشكل رافعة جديدة في بناء دولة القانون والمجتمع الحداثي، مشيرا إلى أن هذه الأطروحة جاءت في إطار سياق النقاش الدائر حاليا والتطور الذي عرفته بنية ووظيفة الإدارة المغربية، لاسيما على مستوى الإدارة الترابية لمواكبة حركية المجتمع وتطوره، للانتقال من المفهوم التقليدي للإدارة المحكوم عادة بالهاجس الضبطي إلى تبني المفهوم الجديد للسلطة، القائم على الحكامة المجالية، وعبر انتهاج سياسة القرب والانفتاح على تطلعات الساكنة والانكباب الإجرائي على معالجة الإشكالات التنموية على الصعيد المحلي والوطني والجهوي.
من جانبهم، اعتبر باقي أعضاء لجنة المناقشة، موضوع الأطروحة عاملا محفزا لكافة الطلبة والباحثين لإرشادهم لبذل الجهود في مجال التحصيل العلمي أولا، ومواصلة البحث في التأصيل لمفهوم الإدارة وعملها لتثبيت حكامة ترابية تستجيب لتطلعات المواطن المغربي في الحدود التي وضعها القانون وكذلك الضوابط المهنية التي تحكم عمل ومهمة رجل السلطة داخل هرم الإدارة الترابية من جهة ثانية.
وسلط الباحث في أطروحته، على مؤسسة رجل السلطة ووظائفه والدور المحوري لهذه المؤسسة الإستراتيجية في النظام الإداري المغربي، باعتبارها أداة إجرائية لتفعيل السياسة الحكومية على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي.
وكشف الباحث عن أهم خلاصاته البحثية، والمتمثلة أساسا في كون مسألة الانتقال من إدارة الضبط والتوجيه، إلى إدارة التخطيط الترابي يشكل رافعة أساسية للمشاريع التنموية المحلية والجهوية، ويستوجب تجاوز بعض أشكال البيروقراطية، والمبالغة في التراتبية الإدارية، التي غالبا ما تكون سببا مباشرا في عرقلة المشاريع التنموية، والتي أصبحت من التحديات الكبرى للبلاد.
وأوضح الباحث، في هذا الصدد، أن تكريس مقاربات التنمية الترابية، يعد أحد المداخل الأساسية لتجسيد المفهوم الجديد للسلطة، ليصبح خيارا وتوجها استراتيجيا لا محيد عنه، إذا أردنا أن نؤسس لنهضة تنموية محلية، تستحضر الخصوصية المحلية لبلورة نماذج تنموية قادرة على تحقيق الطفرة التنموية، عبر بلورة القرار التنموي المحلي، وهو المعطى الذي يستلزم إقامة قنوات لتصريف الشأن العام على صعيد مختلف مستويات الإدارة الترابية وفق المقاربة التدبيرية الجديدة.
ويرى الباحث أن مؤسسة رجل السلطة عرفت أيضا اتساعا ملحوظا، امتد إلى كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى زاوج بين الأمن والتنمية وبات لا يمكن الفصل بينهما، لدرجة أن الواحد يكمل الآخر، ويتعايشان بشكل خفي أو جلي، حسب طبيعة العمل والمهمة المسندة، وطريقة التدبير ونوعية الفرقاء والشركاء.
ودعا الباحث إلى تجاوز المقاربات التحليلية الكلاسيكية لدور ومهام رجل السلطة وامتداد نفوذه داخل المجال الترابي، وتبني المفهوم الجديد للسلطة، والتحليل الكيفي لتنزيل السياسات العمومية خاصة في ظل مجموعة من الرهانات التي تفرض على رجل السلطة أن يكون في مستوى التحديات.
وتوقف الباحث عند مجموعة من المآخذ والعيوب المثارة حول مؤسسة رجل السلطة كبنية إدارية تضطلع بالوظيفة التقليدية للدولة المتمثلة أساسا في الحفاظ على الأمن والنظام العام كوظيفة ثابتة في الزمان والمكان ، مما قد يحد من فعاليتها في لعب دورها الجديد في تحقيق البعد التنموي، نظرا للتحول الذي حصل على مستوى تحديد الأولويات التي أصبحت تواجهها الدولة، والتي جعلت من المسألة التنموية رهانا حقيقيا ، كما عكس ذلك الخطاب الملكي السامي ل 12 أكتوبر 1999 حول المفهوم الجديد للسلطة، والذي أعتبر في جوهره دعوة صريحة إلى تحديث وعصرنة الإدارة الترابية في أفق دمقرطتها وتفعيل دورها التنموي.
واعتمد الباحث خلال دراسته ومناقشته لموضوع الأطروحة، مجموعة من المناهج أولها المنهج التاريخي الذي يسعف الباحث في معرفة الجذور الأولى والتطور التاريخي للموضوع، مع المزاوجة بين المنهج الوظيفي والمنهج المقارن للإجابة عن الإشكالات التي يثيرها موضوع الأطروحة مع تبيان أوجه التشابه والاختلاف وتحديد مواطن النقص والقصور بين القوانين الوطنية والأجنبية، بالإضافة الى اعتماده على تداخل المنهج الرقمي مع المناهج السابقة في تحليل ظاهرة رجل السلطة كوسيلة حديثة، ساعدت الباحث على اعتماد مجموعة من المواقع الرقمية (الالكترونية) باعتبارها أصبحت من بين المراجع المعتمدة في العديد من الدراسات والأبحاث القانونية في الوصول إلى مجموعة من النتائج من ضمنها، الانتقال من الدور التمثيلي الرمزي لرجل السلطة وغياب التأطير القانوني
الصحيح والسليم لمؤسسة رجل السلطة خلال فترة الحماية إلى الاستقلال وإعادة إحياء الأدوار المجمدة لرجال السلطة من خلال إصدار الظهيرين الشريفين رقمي 1.56.046و1.56.047الصادرين في 20 مارس 1956 بتحديد النظام الأساسي للعمال والقواد واللذين ستتوالى بعدهما العديد من النصوص القانونية والتشريعية ذات الصلة بمهام واختصاصات رجال السلطة.