احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، جلسة علمية حول أمراض القلب وعلاقتها بالحياة الاجتماعية، ترمي إلى التوعية بسبل تحقيق التوازن بين وظيفة القلب والصحة والحياة المستدامة، من تأطير الدكتور علي أحمد حنيف، جراح اختصاصي في أمراض القلب، والباحث المساعد في مركز البحوث الطبية الملك عبدالله الدولي، في جدة بالمملكة العربية السعودية.
وحضر اللقاء العلمي أساتذة جامعيون ونحو 200 طالب وطالبة من مختلف الشعب العلمية، من تنظيم مختبر الأبحاث حول التفاوتات السوسيوأنثروبولوجية والهويات الاجتماعية LADSIS، وشعبة علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية.
في مستهل هذا اللقاء، تحدث الدكتور عبد الإلاه بركسى، نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بجامعة الحسن الثاني في الدارالبيضاء، عن أهمية اللقاء العلمي الذي يأتي موازاة مع فعاليات النسخة الثالثة من الأسبوع الوطني للصحة الجامعية، إذ يتدارس موضوعا طبيا يمكن مناقشته علميا بمقاربة تجمع بين الطبي والسوسيولوجي، في إطار انفتاح وتواصل كلية العلوم الاجتماعية على مختلف العلوم الأخرى، ومنها العلوم الحقة.
ونوه الدكتور بركسى بالبرمجة العلمية للقاء، كونها استقطبت حضورا من الطلبة والباحثين الذين ينتمون إلى شعب مختلفة، ينتمون إلى العلوم الإنسانية، من أجل الاستفادة من تجربة جراح يجمع بين المزاولة الطبية والعمل التطوعي في إجراء العمليات الجراحية في عدد من بقاع العالم، معبرا عن افتخاره بأعمال الطلبة والأساتذة الباحثين في إطار شعبة علم الاجتماع.
من جهته، قدم الدكتور علي أحمد حنيف، معطيات علمية حول وظيفة عضو القلب في جسم الإنسان وصحته العامة. ويتعلق الأمر بعضو ورد اسمه بشكل متواتر في عدد من الكتب السماوية، وهو عضو ذو أبعاد مزدوجة، صحية واجتماعية ونفسية، ترتبط بسلوكات الأفراد من خلال أنشطتهم اليومية، يتأثر بما يتأثر به الإنسان وفقا لإيقاع الحياة ونمط التغذية وطبيعة التفكير، ما يجعل من أمراض القلب مرضا منشؤه الفرد نفسه، ينبع من نشاط وفعل الإنسان، يواجهه العلم والأطباء المتخصصين بعلاجات طبية وأخرى جراحية، في مقدمتها القسطرة.
ووفقا لذلك، يتأثر عضو القلب بطبيعة السلوكات الاجتماعية للفرد، ما يجعل أبرز أسباب تدهور وظيفته ذات ارتباط بنمط حياة الشخص، من خلال قلة الحركة وممارسة الأنشطة الجسمانية رغم الفرص والظروف الجوية المتاحة لمزاولة الرياضة، إلى جانب الإدمان على التدخين وتعريض الآخرين لسلبيات التدخين السلبي، رغم التنبيه من المخاطر المتنوعة للسجائر وما في شاكلتها، ناهيك عن الأسباب الصحية السلبية المرتبطة بإجهاد الذات واستهلاك الأغذية غير الصحية، الغنية بالدهون التي تحيط بالشرايين فتعثر مسلك الدم فيها، مع الإفراط في تناول الملح وما نتج عنها من ارتفاع ضغط الدم والتهديد بوقوع جلطات قلبية.
وفي هذا الصدد، ألح الدكتور نفسه على أهمية وعي الإنسان بالوقاية واليقظة الصحية من التعرض لأمراض القلب وتصلب الشرايين، لتفادي التعرض لجلطات قلبية مميتة، أخذا بعين الاعتبار المضاعفات الصحية الوخيمة لأمراض القلب وانسداد الشرايين كونها تهدد حياة الفرد، وتتسبب في تصلب الشرايين وانسدادات الأوعية، فيتطلب توسيع مساراتها خضوع الفرد إلى تدخلات جراحية دقيقة لوضع مستلزمات طبية تفيد في توسيع الشرايين. ومن تحديات هذه العلاجات، الكلفة المرتفعة للعمليات الجراحية، ناهيك عن نشوء ضرورة جديدة لدى المريض تستدعي تناوله لأدوية لتجنب مقاومة جسده للمستلزم الطبي الموضوع على مستوى الشرايين بغرض التوسعة وتسهيل جريان الدم ليصل إلى باقي أعضاء جسم الانسان تفاديا للموت.
وبسبب نمط الحياة السيء، فإن أمراض القلب تذهب بحياة ملايين الأشخاص عبر العالم، يقدر عددهم بأزيد من 17 مليون شخص، من مختلف الأجناس والأعمار، في الوقت الذي يمكن تفادي الإصابة بالداء والتعرض لتأثيراته السلبية على الجسد والحياة.
في المغرب ما يزال التدخين في مقدمة الأسباب التي تعرض الإنسان إلى الإصابة بأمراض القلب، سواء منه التدخين المباشر أو التدخين السلبي، إذ يتساويان في إلحاق الأذى بهذا العضو الحيوي في جسم الإنسان فيعطل وظائفه وعلاقاته بباقي أعضاء الجسم، ما يهدد الحياة بالتوقف. وبلغة الأرقام، تشكل نسبة الوفيات الناتجة عن الجلطات القلبية 38 في المائة، كما يأتي التدخين في مقدمة عوامل الخطر المسببة لأمراض القلب بنسب تتراوح ما بين 45 و50 في المائة، 21 في المائة بسبب عدم الحركة البدنية، 25 في المائة بسبب ارتفاع الضغط الدموي وقرابة 6 في المائة بسبب الإجهاد.
ولتجنب الإضرار بعمل القلب، أكد الدكتور علي أحمد حنيف أن الإنسان يتحمل كامل المسؤولية في المحافظة على صحته من خلال العودة إلى نمط الحياة السليم، من خلال الحرص على تناول الغذاء المعروف في دول البحر الأبيض المتوسط المبني على الخضر والبروتينات والأسماك واستعمال الزيوت الطبيعية، بعيدا عن الوجبات السريعة مع التقيد بحمية مرتكزة على خفض نسبة الملح المستعملة في الطعام مع تفضيل الحركة والنشاط البدني في جميع أنشطة الحياة اليومية للأشخاص.
تجدر الإشارة إلى أن اللقاء العلمي هدف إلى تحقيق نقطة تلاقي بين عدد من العلوم لمناقشة مواضيع تهم الإنسان في حياته ومعيشه اليومي، تنبع من خبرة علمية أكاديمية وأيضا من تجربة ميدانية تطوعية، تحدث عنها الدكتور الجراح في أمراض القلب، متمثلة في أعماله التطوعية لإجراء مجموعة من العمليات الجراحية لفائدة عدد من سكان القارة الإفريقية في جولة تجمع بين العمل الطبي والعمل الإنساني، خلالها أجرى 150 عملية تطوعية على مصابين بأمراض القلب في إفريقيا في إطار مبادرة تجمع ما بين العمل الإنساني والطبي عبر عدد من نقط العالم ودول إفريقية، بمشاركة عدد من الأطباء والمتخصصين في الجراحة إلى جانب متخصصين في أعمال صحية أخرى.