على الرغم من الدعوات الدولية والقرارات الأممية التي تؤكد في كل مرة على ضرورة إحصاء وضبط عدد الصحراويين في مخيمات تندوف؛ فإن الجزائر، التي تحتضن البوليساريو فوق أراضيها، ظلت ترفض تلك الخطوة لغاية في نفس قصر المرادية، ذلك أن هذا الإحصاء سيمكن، إلى جانب تحديد الاحتياجات الإنسانية للاجئين الذين يعيشون أوضاعا صعبة، من حصر لائحة السكان ذوي الأصول الصحراوية الحقيقية وتمييزهم عن غيرهم من المقيمين في هذه المخيمات الذين ينتمون إلى دول أخرى، وهو ما ظلت وما زالت تتخوف منه البوليساريو والجزائر.
تخوف مرده إلى التلاعب الخطير بالتركيبية الديمغرافية لسكان المخيمات ومصادرة المعسكر الانفصالي لإرادة المعنيين الحقيقيين بهذا النزاع المفتعل والذين التحق أغلبهم بالمغرب؛ فيما بقيت قلة قليلة منهم في تندوف، قبل أن تضيف إليهم البوليساريو مواطنين جزائريين وموريتانيين وآخرين من دول الجوار للحفاظ على مبرر وجودها وشرعية حكمها للسكان الذين صارت الجبهة الانفصالية تطالب باسمهم بالاستقلال عن المغرب، على الرغم من عدم وجود أي روابط قانونية بينهم وبين الأقاليم الجنوبية للمملكة.
ومن الأسباب الأخرى المفسرة لهذا الرفض المطلق تلك المرتبطة بالمساعدات الإنسانية التي يتم تضخيم أرقام اللاجئين للاستفادة من أكبر قدر منها ومن تم بيعها للجماعات والتنظيمات الإرهابية في الساحل والصحراء وتوجيه هذه الأموال إلى حسابات قيادات البوليساريو التي أكدت عدد من التقارير صلتها بالجماعات المسلحة التي تنشط في المنطقة، حيث يشترك الطرفان في مزاولة أنشطة التهريب والاتجار في الأسلحة والبشر وفي تهديد الأمن الإقليمي والدولي.
معطيات قبلية وتركيبة سكانية متلاعب بها
محمد لمين النفاع، عضو اللجنة السياسية لحركة “صحراويون من أجل السلام”، قال إن “البوليساريو استقطبت، خلال منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، قوافل من البشر إلى المخيمات، خاصة الآزواديين من شمال المالي نتيجة الجفاف الذي عرفته هذه المناطق، حيث تم توطين هؤلاء المستقدمين ودمج أبنائهم وأحفادهم في الأجهزة السياسية والأمنية البوليساريو”.
وفي حديثه عن التغيرات التي طالت التركيبة الديمغرافية لسكان مخيمات تندوف، لفت عضو اللجنة السياسية لحركة “صحراويون من أجل السلام” إلى أن “الصحراء كانت لها ساكنة، وهذه الأخيرة هي المعنية بقرارات الأمم المتحدة؛ مع العلم أن أغلبهم التحقوا بالمغرب، وبقيت نسبة قليلة فقط منهم هناك، وهم مع التسوية والحل السلمي لهذا النزاع”.
وأوضح محمد لمين النفاع أن “التعاطي مع قضية ساكنة المخيمات من منطلقات إثنية أو قبلية لن ينهي هذا الصراع؛ ذلك أن القبائل لها امتدادات تتجاوز الصحراء لتشمل مناطق جغرافية أخرى في الجزائر وموريتانيا ومالي، حتى أن منطق المواطنة يتنافى مع هذا المنطق القبلي الذي لعبت عليه البوليساريو والذي أدى إلى تمييع الصراع وتمطيطه”، موضحا في هذا الصدد أن “الجبهة بدورها أُسست من طرف طلبة من طانطان وكلميم؛ وهي مناطق خارج منطقة الصراع، قبل أن يلحقوا بالمخيمات ليلتحق معهم بعدها أبناء عمومتهم من كل من موريتانيا والجزائر ومالي”.
واعتبر المتحدث ذاته أن “الجزائر ترفض إحصاء ساكنة المخيمات لهذه الأسباب ولوعيها بأن التركيبية الديمغرافية لسكان المخيمات لم تعد محددة في الانتماء إلى منطقة النزاع؛ بل على محددات قبلية صار معها أي شخص، سواء كان موريتانيا أو جزائريا أو ماليا وتربطه علاقات عائلية بأي قبيلة في الصحراء، صحراويا ومعنيا بهذا الصراع في حين أن المعنيين به هم ساكنة هذا المجال الذي كانوا تحت الاستعمار الإسباني”.
وخلص عضو اللجنة السياسية لحركة “صحراويون من أجل السلام” إلى أنه “في حال نجح المغرب في جذب تلك الفئة القليلة المعنية فعلا بهذا الصراع وليس تلك التي أدخلت فيه؛ فإن البوليساريو ستنهار بكل تأكيد، لأنها لن يكون لها بعد ذلك أي مسوغ قانوني لوجودها ولاستمرارها، ولن يتبقى لها إلا مواطنون من الجزائر وموريتانيا ومالي يجمعهم المعطى القبلي وليس الجغرافي”.
تضخيم أرقام وتنظيمات لضبط التوازنات
في الصدد ذاته، قال محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المركز الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، إن “البوليساريو عمدت إلى تضخيم أعداد قاطني مخيمات تندوف؛ من خلال استقطاب البدو من مناطق متفرقة في جنوب شرق الجزائر إلى جانب القبائل الصحراوية وامتداداتها في شمال موريتانيا ومالي وبقية بلدان المنطقة”، مسجلا أنه “في بداية هذا النزاع المفتعل روجت الجزائر ومعها البوليساريو لأرقام مغلوطة بخصوص ساكنة المخيمات، حيث كان الحديث عن مليون لاجئ قبل أن تخفض هذه الأرقام المضخمة في حدود ربع مليون ثم روجت بعد ذلك لأرقام أقل من ذلك بكثير”.
في هذا السياق، أشار عبد الفتاح، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، إلى أن “الهيئات والمنظمات الأممية المعنية بهذا الملف تتعاطى مع ساكنة المخيمات من خلال تقديرات لا تتجاوز 80 ألف قاطن؛ في حين أن هناك هيئات مستقلة أخرى تؤكد أن هذا العدد لا يتجاوز 40 ألف شخص”.
وفي استعراضه لحقيقة الوضع داخل المخيمات، أوضح المتحدث ذاته أن “هذه الأخيرة تشهد انتشارا كبيرا لعصابات الجريمة المنظمة وتغلغلا واسعا للجماعات المتطرفة التي تنشط في بلدان الساحل والصحراء في ظل تقاطع أجندات الجبهة الانفصالية مع تلك الجماعات المسلحة، على اعتبار أن هذه الأخيرة تُعد الزبون الأول لبعض الأنشطة التي تعكف عليها قيادات البوليساريو وتعتمد عليها في تمويل صناديقها السوداء، خاصة فيما يتعلق بالمتاجرة في المساعدات والأدوية والاتجار في السلاح والبشر والمخدرات”.
ولفت إلى أن “جبهة البوليساريو باتت تعتمد بشكل كبيرا على الجماعات المسلحة المتطرفة في الساحل في تأطير قاطني مخيمات تندوف، في ظل ضعف الجبهة الانفصالية عن تأطير الساكنة خاصة الشباب منهم وتراجع أفكارها السياسية نتيجة الهزائم المتتالية التي مُنيت بها في الآونة الأخيرة إضافة إلى قياداتها والانقسامات فيما بينهم؛ وبالتالي فإن الجبهة لجأت إلى هذه الجماعات من أجل مساعدتها على ضبط التوازنات الاجتماعية والقبلية في المخيمات”.