بريطانيا تعين مبعوثا تجاريا بالمغرب لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين الرباط ولندن
عين ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، أول أمس الأربعاء، النائب المحافظ روب بيتلر مبعوثا تجاريا إلى المملكة المغربية، في إطار برنامج المبعوثين التجاريين لرئاسة الوزراء البريطانية “Prime Minister’s Trade Envoys”، الذي انطلق سنة 2012، ويهم تعيين مجموعة من البرلمانيين في عدد من بلدان العالم بهدف دعم وتعزيز علاقات لندن الاقتصادية مع الأسواق المستهدفة، ومساعدة الشركات البريطانية على الاستفادة من الفرص التي توفرها هذه الأسواق الناشئة، والترويج لبريطانيا كوجهة مفضلة للاستثمار. ويضم هذا البرنامج 38 برلمانيا يغطون حوالي 68 دولة.
ويأتي هذا التعيين في سياق طفرة تشهدها العلاقات التجارية بين المغرب وبريطانيا، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين عند متم النصف الأول من العام الجاري أكثر من 4 ملايير و200 دولار أمريكي، بزيادة بأكثر من 830 مليون دولار مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، حسب أرقام وزارة الخزانة البريطانية، التي أكدت في جواب كتابي عن سؤال برلماني أواخر نونبر المنصرم أنها “تعمل بشكل وثيق مع الرباط لتحقيق أقصى قدر من التعاون وفي عديد المجالات على غرار التجارة والاستثمار”.
كما جددت الوزارة ذاتها التزامها بدعم الشركات البريطانية على تصدير منتجاتها إلى المملكة المغربية والاستثمار فيها، مسجلة أن الحكومة “تدعم هذه الشركات في مجال التصدير من خلال شبكة من المستشارين والمتخصصين في هذا المجال، إضافة إلى دعم تمويل الصادرات إلى المغرب، حيث توفر لندن خطا ائتمانيا خاصا بقيمة 5 ملايير و720 مليون دولار أمريكي”.
رغبة بريطانية ومنصة قارية
في هذا الصدد قال بدر زاهر الأزرق، خبير اقتصادي، إن “تعيين مبعوث تجاري خاص بالمغرب من لدن الحكومة البريطانية يوحي بالأهمية الكبيرة التي تحظى بها العلاقات التجارية بين البلدين، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتوجهها الجديد نحو خلق علاقات اقتصادية وتجارية مباشرة مع مجموعة من الدول، وعلى رأسها المغرب، بعد أن كانت هذه العلاقات مرهونة في السابق بمجموعة الاتفاقيات والمعاهدات التي كانت تفرض على لندن الانضباط لعدد من المعايير الأوروبية”.
وأضاف الأزرق، في تصريح لجريدة النهار، أن “بريطانيا اليوم ترسم ملامح علاقاتها التجارية مع المملكة المغربية، التي شهدت تطورا كبيرا منذ ‘البريكست’، سواء على مستوى المبادلات التجارية التي وصلت إلى مستويات قياسية وآخذة في التطور سنة بعد أخرى، أو على مستوى توسيع مجالات التعاون المشترك بين البلدين لتشمل الطاقات المتجددة والصناعة وغيرها من القطاعات المفتوحة اليوم أمام الاستثمار البريطاني والمغربي على حد سواء”.
وشرح المتحدث ذاته أن “تعزيز العلاقات المغربية البريطانية من خلال تعيين هذا المبعوث يعكس رغبة هذا البلد الأوروبي في الاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبرى التي يوفرها المغرب، ليس فقط على المستوى المحلي المغربي وإنما أيضا على المستوى القاري؛ ذلك أن الرباط تطمح لأن تكون منصة للتوجه نحو العمق الإفريقي، خاصة أن الدولة المغربية اليوم هي بصدد إعادة هيكلة بنياتها التحتية حتى تتحول إلى منصة لوجستيكية ومينائية للوصول إلى مختلف الأسواق في القارة”.
وخلص المحلل ذاته إلى أن “هذا الطموح المغربي يلتقي مع نظيره البريطاني في الرغبة في العودة بقوة إلى الأسواق الإفريقية والتموقع فيها، أضف إلى ذلك التوجهات الاقتصادية الجديدة للمملكة المغربية الرامية إلى تنويع شراكاتها وتحالفاتها الاقتصادية، وكسر هيمنة دول بعينها على المبادلات التجارية الخارجية؛ وهو التوجه الذي يؤكده توقيع الرباط مجموعة من الاتفاقيات التجارية المباشرة مع عدد من الدول، من بينها اتفاق الشراكة مع بريطانيا الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2021؛ وبالتالي فإن كل هذه العوامل مجتمعة انعكست على الدينامية التي تعرفها العلاقات البريطانية المغربية، التي ستتعزز بشكل كبير على المديين المتوسط والبعيد”.
بوابة اقتصادية وشراكة إستراتيجية
تفاعلا مع الموضوع ذاته أورد المحلل الاقتصادي إدريس العيساوي أن “قرار رئيس الوزراء البريطاني يكتسي أهمية كبرى، بالنظر إلى الحركية التي تعرفها العلاقات الاقتصادية المغربية البريطانية، إذ يأتي في سياق دعم الشراكة الإستراتيجية بين البلدين حتى تكون قادرة من الاستفادة من الفرص التي يفورها السوقان الاقتصاديان لهذين البلدين”، مردفا بأن “هذا القرار يعكس رغبة الحكومة البريطانية في إبقاء العلاقات مع المغرب في مستويات جيدة لتواكب التحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي”.
وأضاف المحلل الاقتصادي ذاته أن “المملكة المغربية أضحت واحدة من البوابات الاقتصادية الضرورية بالنسبة لبريطانيا، التي يمكن الاعتماد عليها من أجل كسب رهان التواجد في السوق الإفريقية، التي يحضر فيها المغرب بقوة بفضل السياسات والتوجهات الجديدة التي اعتمدها في هذا الإطار؛ كما يعد الاقتصاد المغربي واعدا ويجذب اهتمام رؤوس الأموال والشركات البريطانية، وعليه فإن لندن تسعى إلى تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من هذه السياسات الاقتصادية المغربية محليا وإفريقيا، بما يحقق المصالح المشتركة للدولتين على أساس مبدأ رابح-رابح”.
وتابع المصرح لجريدة النهار بأن “المستويات غير المسبوقة التي بلغها حجم المبادلات التجارية بين البلدين، التي بلغت أكثر من أربعة ملايير دولار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، تؤكد عمق العلاقات الاقتصادية بينهما، كما تؤكد كذلك رغبة الحكومة البريطانية في توسيع شراكاتها مع المغرب وبحث فرص أخرى للتعاون الثنائي، وهذا ما يفسر تعيين مبعوث تجاري بالرباط من أجل الدفع بهذا التعاون والتكامل وتوطيد هذه الشراكة الاقتصادية بما يستجيب ويحقق الأهداف التنموية الكبرى لكلا البلدين”.
وخلص المتحدث إلى أن “توسيع الشراكة بين البلدين سيوفر للشركات البريطانية فرصا هائلة للدخول في مجموعة من الاستثمارات والمشاريع الكبرى التي انخرط فيها المغرب، على غرار مشاريع صناعة السيارات والطائرات؛ أضف إلى ذلك أن الأحداث والتظاهرات الكبرى التي سينظمها البلد في قادم السنوات، وتتطلب تعاونا وتنسيقا ونسج شراكات عالمية من أجل إنجاحها، توفر هي الأخرى أرضية خصبة لدخول رأس المال البريطاني إلى المغرب، واستثماره في القطاعات ذات الصلة بهذه التظاهرات العالمية، على غرار بناء الملاعب وشبكات الطرق والسكك الحديدية وغيرها، خاصة أن بريطانيا تمتلك تجربة رائدة على المستوى الأوروبي في هذه القطاعات”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News