في مثل هذا اليوم من سنة 2019 نجح عبد المجيد تبون، بعد انتخابات “شابها الكثير من الجدل حول صحتها”، في تقلد منصب الرئاسة الجزائرية، ومنذ ذلك الحين عاشت علاقات الجزائر والمغرب على وقع “أزمات غير مسبوقة”، و”تباعد مستمر”.
وحرص تبون على تكريس توجه النظام العسكري في الجزائر، الذي رسخ عقيدته المعادية للمملكة المغربية الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، رغم تعويل الشارع الجزائري في حراكه الشعبي على إقرار نظام ديمقراطي يتخلى عن أطروحة “العدو الخارجي” كمبرر للفشل السياسي الداخلي.
وحينها وضع رئيس الجارة الشرقية حدودا واضحة أمام أي تقدم في العلاقات بين البلدين، “فلا وساطات دولية مقبولة”، كما أن العلاقات مع الرباط أصبحت في “نقطة اللاعودة”.
تصريحات تبون كانت دائما تأتي كرد على سياسة اليد الممدودة التي تقدمها المملكة المغربية أمام الأشقاء الجزائريين، فرغم رسائل العداء المتواصلة يؤكد العاهل المغربي على ضرورة الحوار، وبقاء الرباط منفتحة على عودة العلاقات خدمة للروابط الشعبية والتاريخية.
وكانت أبرز خطوات الرئيس تبون في طمس أي تقدم في العلاقات مع المغرب قطع العلاقات الدبلوماسية، وغلق المجال الجوي، ووقف أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي، وذلك تحت مبررات “وجود تهديدات مغربية للأمن القومي الجزائري”.
وستكون سنة 2024 مرحلة جديدة في المشهد السياسي الجزائري، إذ سيتم إجراء الانتخابات الرئاسية، وسط توقعات بفوز تبون من جديد بمنصب الرئاسة، بعد تأكد رغبته في الاستمرار في الحكم، ما يطرح تساؤلات حول مصير العلاقات مع المغرب، وهل تم الحكم عليها نهائيا بـ “اللاعودة”؟.
الطيب دكّار، مختص في العلاقات المغربية الجزائرية، يرى أنه “لولا تبصر المملكة المغربية وحكمتها لكانت الحرب اندلعت بين الطرفين في عدة مناسبات”.
ويضيف دكّار لجريدة النهار أن “العلاقات بين البلدين لم تبلغ هاته المستويات المهولة من الأزمة منذ حقبة الديكتاتور بومدين، إذ أصبح النظام الجزائري من خلال جميع وسائله يهاجم المملكة المغربية، ويحرض شعبه على الجار الغربي ورموزه”.
وعلى نقيض ذلك كانت الدبلوماسية المغربية، وفق المتحدث ذاته، “ناجحة بقوة في ملف الصحراء، وذلك وفق منظور تنموي شامل، الأمر الذي لم تستسغه قيادة المرادية، التي مازالت تحت أوهام التحول إلى قوة إقليمية باستخدام عائدات الغاز والبترول”.
“العداء للمغرب تحول إلى فشل كبير في حقيبة إنجازات الرئيس تبون منذ تقلده المنصب، وساهم أيضا في توريط الجيران الأشقاء في هذا الملف، عوض الخروج من هاته المتاهة التي ورثها الديكتاتور بومدين للجسم السياسي”، يضيف المختص في العلاقات المغربية الجزائرية، ومضى شارحا: “المغرب اليوم يجد نفسه في وضع مريح، طالما تتواصل المؤشرات الحسنة من قبة مجلس الأمن، الداعمة للمخطط الحكم الذاتي كحل وحيد لنزاع الصحراء المفتعل”، مبينا أن “الجزائر تسير إلى وضع جد سيئ على جميع المستويات”.
في الختام يرى دكّار أن “العلاقات بين البلدين لن تصل إلى مستويات جيدة في المستقبل القريب، ولن يحدث أي تطور طالما تغيب الديمقراطية في الجارة الشرقية، ويستمر الجيش في الحكم”.
“الصراع الخفي داخل أجنحة السلطة، مع إحكام القبضة العسكرية على الجسم السياسي، أثر على العلاقات مع المغرب”، وفق حسن بالوان، محلل سياسي، مردفا: “تبون في الأصل مجرد صورة استعراضية، والحكم الفعلي بيد الجيش”.
ويورد بالوان، في تصريح لجريدة النهار، أن “هاته الولاية عرفت اتخاذ إجراءات أكثر تطرفا وحدة تجاه المملكة المغربية، أهمها قطع العلاقات الدبلوماسية”.
ويعتبر المحلل السياسي ذاته أن “عبد المجيد تبون كان الخيار الأمثل لكي يبسط الجيش الجزائري الطريق نحو إحكام القبضة على الحكم، والتحكم في جميع القطاعات، حتى الإعلامية”.
واستطرد المتحدث عينه بأن “فوز تبون بولاية ثانية أمر يرتبط بأهواء النظام العسكري، والمترشح الذي سيحظى بأكبر عدد من الأصوات هو الذي سيخدم أجندات الجنرالات المتعددة، التي يعد تأزيم العلاقات مع المغرب أهم المحاور فيها”.