لم يبقَ في مجموعة “دول الساحل الخمس” سوى الاسم فقط، بعد تمهيد كل من التشاد وموريتانيا، الأربعاء، لحلها بشكل نهائي، وانسحاب سابق من قبل بوركينافاسو والنيجر ومالي، في ظل تعمق “أزمة الوجود الفرنسي” في القارة السمراء.
وسط هاته المؤشرات، يفتح باب حل مجموعة “دول الساحل الخمس” الباب لتقوية نشاط الجماعات الإرهابية بالمنطقة، على الرغم من تصاعد تهديداتها حتى في ظل قيام هذا التكتل الذي ترعاه فرنسا.
وكان المغرب قد عبّر، على لسان سعد الدين العثماني، رئيس حكومته السابق، عن وقوفه إلى جانب دول الساحل الخمس في حربها ضد الإرهاب، وجميع الأخطار التي تهددها والمنطقة بشكل أجمع.
وباعتبار منطقة الساحل عمقا استراتيجيا لمملكة المغربية، سواء على المستوى الأمني والمستوى الاقتصادي، يشكل حل منظمة دول الساحل الخمس عنصرا سلبيا لجهود الرباط في تحقيق روابط التنمية مع هاته الدول وتحقيق الأمن والاستقرار وتحديا جديدا لمكافحة التنظيمات الإرهابية بالمنطقة.
وقال مصطفى كرين، محلل سياسي، إن “التطورات الأخيرة على مستوى القارة بشكل عام وعلى مستوى دول الساحل والغرب الإفريقي واختلاف وجهات النظر حول مشروع تنموي اندماجي إقليمي وتناقض الولاءات بين هذه الدول وطغيان البعد الأمني على الأبعاد الأخرى وانخراط مجموعة من الفاعلين الخارجيين في صياغة الخريطة السياسية والبنية الاقتصادية للمنطقة كلها أمور جعلت استمرار هذه الكيانات فارغا من جدواه”.
وأضافت كرين، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “دول مجموعة الساحل الخمس ليس وحده التي تأتي في خضم هذا الإشكال؛ بل جميع التكتلات الإقليمية الإفريقية مثل الإيكواس”.
وبيّن المتحدث عينه أن “موريتانيا تدخل عصر إنتاج وتصدير النفط وأصبحت أكثر ميلا نحو الرؤيا الروسية لمستقبل المنطقة، والتشاد تعيش فورة مفصلية في وجودها السياسي بعد الذي حدث في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وترزح تحت ضغط وجود فرنسي أصبح أكثر كثافة وتركيزا”.
وأشار المحلل السياسي عينه إلى أن “ما يفرق بين دول المنطقة أصبح أكبر بكثير مما يجمع، ولا يستبعد انتقال عدوى كل هذا إلى باقي التكتلات الأفريقية الأخرى مثل “إيگاد” و”سين صاد” و”كوميسا” و”سيماك” والآخرين”، لافتا إلى أن “إفريقيا تعيش لعنة غياب المشروع وغياب الإرادة”.
وحول تأثير زوال مجموعة “دول الساحل الخمس” على المملكة المغربية، سجل محمد الغواطي، محلل سياسي، أن “لا تأثير يذكر سيمس الرباط، باعتبارها منخرطة في دينامية شراكات معمقة ودولية، قوامها محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والجماعات المسلحة”.
وأورد الغواطي لجريدة النهار أن “المملكة لها مصداقية دولية في هاته الجهود المعقدة تجعله شريكا وحليفا استراتيجيا، له من الوسائل والإمكانيات الكافية لصد أي مشروع إرهابي يهدد أراضيه وبطرق استباقية”.
وزاد: “انخفاض الوجود الفرنسي في القارة الإفريقية ليس وليد اليوم، وغير مرتبط بهذا التفكك الحاصل في دول الساحل الخمس، بل بفعل تحولات استراتيجية جد معمقة، مست علاقات باريس بدول حليفة لها؛ في حين أن الرباط لا تزال في علاقات جيدة مع دول الساحل والصحراء، وشراكتها مبنية على أسس قوية ولن تتضرر بزوال أي تكتل يذكر”.
ولفت المتحدث سالف الذكر إلى أن “علاقات المغرب مع العمق الإفريقي، التي تبنى على سياسة “جنوب-جنوب”، تساهم في تحقيق الاستقرار الأمني، إذ تقدم الرباط خدماتها في مكافحة الإرهاب لشركائها الأفارقة، خاصة دول الساحل”.
وخلص الغواطي إلى أن “الوجود الروسي يتعاظم بشكل لافت، والمستجدات الحالية تزيد من تقوية الأمر”، مؤكدا أن “أي تغير أمني لن يمس الرباط، التي حسمت في مسألة شراكاتها مع الساحل والتي تتجاوز الحل العسكري لتصل إلى المنطق التنموي ومحاربة التطرف من جذوره العميقة”.