“حرب حقيقيّة” تلك التي صار أرباب المقاهي والمطاعم يشنّونها على العربات المتنقلة المتخصصة في بيع المأكولات الخفيفة، بعدما عبرت الجامعة الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب صراحة في بيانها الأخير عن أن هذه العربات “هي سبب تدمير عدد من الوحدات، رغم تنبيه وزارة الداخلية، لأكثر من مرة، إلى خطورة القطاع العشوائي على الأنشطة المهيكلة ببلادنا”.
كما كانت الجمعية الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب طالبت قبل أيام بعقد لقاء استعجالي مع والي جهة الدار البيضاء سطات، إثر قرار تنظيمي صادق عليه المجلس الجماعي، يتعلق بالترخيص للعربات المتنقلة المتخصصة في بيع المأكولات الخفيفة؛ وهي التحركات التي رفضتها جمعيات حماية المستهلك التي تواصلت مع جريدة النهار، معتبرة أنها “تتعارض مع منطق المنافسة داخل السوق الحرة”، وداعية إلى تأطير هذه المهن.
“رغبة في الاحتكار”
أحمد بيوض، الرئيس المؤسّس لجمعية “مع المستهلكين”، قال إن “المطالبة بمنع التراخيص من طرف أرباب المطاعم والمقاهي عمل غير ديمقراطي، ولا يعكس قيم المنافسة، بما أن المغرب سوق حرة”، موضحا أن “العالم بكامله يعتمد على هذه العربات كعرض مواز بالنسبة للمستهلك؛ وهي في المغرب تشكل عرضا أكثر قربا للمستهلكين من حيث القدرة الشرائية”، وفق تعبيره.
وأكد بيوض، في تصريحه لجريدة النهار، أن “هذه العربات من الناحية القانونية والمبدئية مؤهّلة لممارسة هذه المهنة بما أنها حائزة على ترخيص من المجالس الجماعيّة، لكن هذا التأهيل القانوني لابد أن يكون منطلقا من مراقبة دورية للجودة التي مازلنا للأسف في المغرب لا نوليها اهتماما كبيرا”، مبرزا أن “المغرب منذ أزيد من عقد يراقب فقط السلامة الصحية، وأنشأنا هيئة رسمية للقيام بذلك، لكن من حيث مراقبة الجودة مازال هناك خصاص”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “استنكار المطاعم والمقاهي الترخيص هو رغبة صريحة في الاحتكار وفي تشديد الخناق على قطاع ينهض تدريجيا ويسد ثغرات كبيرة في ما يخص نسبة البطالة في المغرب”، موضحا أن “التنافس أصلا مختل، نظرا للتباين بين الإمكانيات”؛ وزاد: “رفضُنا طلبات المنع لا يعني أننا لا نوصي بضرورة حصول هذه العربات وبشكل أساسي على الترخيص من المكتب الوطني للسلامة الصحية”.
وأجمل الفاعل الجمعوي قائلا: “السلطات المحلية تمنح الترخيص فقط، وقد لا تفقه كثيرا في شروط السلامة، وهذا من اختصاص ‘أونسا’، التي يعتبر ترخيصها ضروريا لتأهيل أفضل لهذه العربات التي تقدم خدمة الإطعام بالنسبة للمستهلك المغربي”، مؤكدا أن “الشرطة الإدارية من جانب آخر لابد أن تحارب بحزم العربات التي لا تتوفر على ترخيص، لضمان تنافسية أفضل بين القطاعات”.
“التّأطير والتّأهيل الصحي”
مثل بيوض، لم يختلف بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، في ضرورة المزيد من التأطير لهذا القطاع، من خلال “تأهيل شروط السلامة الصّحية وإخضاع كل عملية الإنتاج بهذه العربات للمراقبة الصحية القبلية، لكي تتلاءم مع الشروط المعمول بها، وحتى نضمن للمستهلك المغربي الاستفادة من خدمات تتسم بالجودة وبالسلامة، خصوصا بعدما راجت أنباء كثيرة بخصوص اللحوم التي يتم بيعها في بعض هذه العربات”.
ورفض الخراطي بدوره المطالبة بمنع التراخيص، بل أوصى بضرورة أن “تصبح آلية منح التراخيص في يد وزارة الداخلية عوض المجالس المنتخبة، بعدما تبين أن هذه التراخيص غلب عليها طابع المحاباة في مرات عديدة”، مؤكدا أن “لا أحد له الحقّ مبدئيّا في المُطالبة بمنع مهنة أو أخرى، بل الذي لن نختلف بخصُوصه هو أن عربات ‘فاست فود’ يجب أن تخضع لتأطير حقيقي من الناحية القانونية والصحية لتصبح مهنة مهيكلة”.
وأوصى المتحدث ذاته بضرورة أن “تبادر السلطات إلى خلق فضاءات خاصة بهذه العربات، مثلما يُعمل به في العديد من بلدان العالم، لكي لا تظل مصطفّة بشكل عشوائي، أو بجانب فضاءات غير متلائمة مع شروط الإطعام”، مؤكدا أن “الأساسي في كل هذا الموضوع هو أن ترخيص ‘أونسا’ يجب أن يكون هو الأصل قبل بداية هذه العربات تقديم خدماتها للمواطنين، وأن يتم ذلك بالتنسيق مع جمعيات حماية المستهلك”.