أزولاي: الراحل الطيب الصديقي صاحب “كاريزما” .. والثقافة عابرة للإيديولوجيا

استحضر المستشار الملكي أندري أزولاي أثر الطيب الصديقي، أبي المسرح المغربي، قائلا: “لا أريد أن أبدأ دون أن أذكر اسم شخص كان مهما في مهنة رجال الثقافة والمسرح والسينما وكان مواطنا كاريزميا، وهو الطيب الصديقي، الذي أحتفظ بقدر كبير في ذاكرتي وفي ذكريات مناقشاتي معه، بالمبادرات المختلفة التي اتخذها بمدينة الصويرة، ثم بعدها على الساحة الوطنية وعلى الساحة الدولية، بتجسيده رجل المسرح الذي تجاوزت موهبته وتفرده وجاذبيته حدودنا بسرعة فائقة”.

وأضاف أزولاي، مستهلا الدرس الافتتاحي الخاص بـ”المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي”، أن الصديقي ساهم في وضع لبنات المسرح المغربي، وأدى على خشبات كبيرة ومهمة في العالم؛ في الغرب وفي الشرق، إذ نقل معه دائما هذا المغرب المتنوع، وعبر عن نفسه بجميع اللغات”، مبرزا أن “الصديقي كان رائدا في الكلاسيكيات العظيمة؛ كلاسيكياتنا، وأيضا كلاسيكيات الآخرين.. وفي وقت مبكر جدا وبسرعة كبيرة أعطى المسرح المغربي شرعية ومصداقية وموهبة حظيت بإعجاب الكثيرين”.

وفي سياق متصل، أفاد أزولاي، الذي قدمته مديرة “ليزاداك” لطيفة أحرار بـ”المناضل من أجل حوار الأديان والثقافات”، بأن “الحديث اليوم عن الثقافة يؤكد كيف كانت دائما قادرة على القيام بأدوار أفضل من السياسة، لكونها بمقدورها تجاوز الإيديولوجيات”، مسجلا أن المغرب من خلال العديد من النماذج الفنية تبينَ أنه شهد ويشهد ثورة ثقافية حقيقية منحته تموقعا متميزا. وهذه الثورة لا تستدعي استثمار المليارات للوصول إلى هذا التموقع؛ لكن عائد الاستثمار فيها، حتى عندما يكون ضئيلا، يكون بالضرورة مذهلا ومعبرا”.

وأبرز المستشار الملكي أن الموسيقى ومختلف أشكال الفن تعكس نضجا في تعامل المغرب مع الثقافة، وهو “ما لم تستطع العديد من البلدان القريبة منا والبعيدة أن تُحسن التعامل معه”، لافتا إلى أن “البلد لديه تاريخ عريق وثقافة غنية ومتنوعة، والمهرجانات التي تنظم في الصويرة مثلا تمنح الفرصة لمن يريد أن يعبر، يهوديا كان أو مسلما أو غير ذلك (…) وطيلة وجود فعاليات الصويرة، يلتقي آلاف المسلمين من المغرب ومن أماكن أخرى بآلاف اليهود من المغرب وغيره، لماذا؟ ببساطة من أجل سعادة التواجد معا”.

ومضى المستشار الملكي معددا فضائل الثقافة على “مدينة الرياح”، موضحا أن “هذه المدينة كانت في بداية التسعينيات لا تتوفر على بنية تحتية فندقية، وكان فيها نحو 10 فنادق فقط”، وكشف أن “اليوم، بفضل الثقافة، يوجد في رحاب هذه المدينة الساحلية نحو 500 فضاء للإيواء متكونا من الفنادق والرياض ودور الضيافة. كما أن حوالي 20 دولة ترتبط بالصويرة من خلال خطوط جوية مباشرة”، وزاد: “المدينة تتمتع اليوم بدينامية مذهلة، تساعدنا لخلق الثروة، وتجعلنا نتطور بشكل يحمي قيمنا”.

وواصل أزولاي، متحدثا صباح الاثنين من أعلى منصة “قاعة باحنيني” التابعة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، أن “ما نتمتع به من تنوع وقدرة على التعايش والسعادة معا هو مأساة في أمكنة أخرى؛ هناك بلدان تستثمر المليارات بسبب القلق في الأمن وفي الدفاع لأنها تخشى الآخر ولا تستطيع التعايش معه”، مؤكدا “أننا في المغرب علينا أن نقوم بمسح ضوئي لهذا التاريخ الذي تحتله الثقافة، بكل تعبيراتها وتخصصاتها، لنعرف من أين أتينا وأين نقف وأين نحتاج أن نذهب؛ وسيكون هذا المسح بمثابة الوسيلة التي توفرها الدولة لهذا المجال الثقافي في بلدنا”.

وأكد “عراب السلام”، الذي قال في إجابة عن أحد الأسئلة التي تقدم بها الحضور إن “الثقافة والفن يوجدان في حمضه النووي”، أن “المغرب يستطيعُ أن يذهب أبعد، إذا استثمرنا أكثر في جميع مناطق البلاد ومدنها، من خلال تجهيزها بمراكز التدريب والمسارح ودور السينما وقاعات الحفلات الموسيقية. تأهيل المدن سيغذي هذه الدينامية التي يمر منها المغرب في القطاع الثقافي”، مسجلا أن “الجميع يعرف ما تبديه بلادنا لهذا القطاع من اهتمام، ورأينا ما يمكن أن تجسده مواهبنا اليوم في الداخل وفي العالم. فنحن على أرض آمنة. وهذا ما نحن بحاجة إليه”.

وهنأ أزلاي طلبة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي على اختيارهم تخصصات تدعم البناء الثقافي المغربي، على الرغم من أنها “مهن لا تدعمها مجتمعاتنا اليوم بالمزيد من الموارد”؛ لكن هذا جعل الرجل “يتفاءل بمغرب الغد”، مبرزا أن “الثورة الرقمية تشكل تهديدا؛ لكن الشيء الرئيسي هو الحفاظ على القيم التي تمكن إنسانيتنا من الاستمرار في التطور، والإمساك بقوة بأغلى وأعز ما لدينا: قدرتنا أولا على حماية هوياتنا، تاريخنا وذاكرتنا والسماح بهذا الإرث الحاسم لكل واحد منا بالظهور، مهما كانت المساحة التي ولد فيها أو التي يتطور فيها”.

ولا يعتبر المتحدث ذاته “العلم أو التكنولوجيا خطرا، بما أن ثورات علمية سابقة تم تسجيلها”؛ لكنه يوصي بضرورة “اتخاذ الاحتياطات اللازمة، مثلما حدث سابقا، حتى لا يفقد المغاربة ذاكرتهم المشتركة”، موضحا أن “هذه الذاكرة وهذه القيم الثمينة والنفيسة جعلت المغرب يحظى اليوم بالاحترام في جميع أنحاء العالم، وأن يكون معروفا في كل مناطق كوكب الأرض”، وزاد: “إن بلدنا معروف، بالطبع، بكل ما نحسن القيام به، وكل ما ننتجه، وكل ما حققناه، وكذلك كل ما لم نحققه؛ وهذه الريادة المغربية في العالم غير مسبوقة”.

وأشار إلى أن “الأمريكيين والأوروبيين والآسيويين والأمريكيين اللاتينيين ينظرون إلينا باحترام كبير، ليس لأن بلدنا يمتلك أكبر احتياطي من الفوسفاط في العالم؛ بل لأنهم حين ينظرون إلى المغرب ينظرون إليه كبلد نجح حين فشل الآخرون، من حوله.. بلدنا ينتمي إلى نادي البلدان التي استطاعت النجاح، ويمكن للمغرب أن يرفع رأسه اليوم أمام المجتمع الدولي، لأنه في بيئته العربية والإسلامية لم يتوقف عن البناء باستحضار كل ما هو متاح من تنوع ومن غنى في هويتنا الوطنية”.

Exit mobile version