البنك الدولي يعدد فوائد اشتغال المغربيات والخصائص المميزة لاقتصاد المملكة

من الخلاصات اللافتة التي انتهى إليها عمل “المرصد الاقتصادي للمغرب”، التابع لمجموعة البنك الدولي، عبر مكتبه بالرباط، أن “الاستجابة للأزمات الأخيرة والصدمات المتلاحقة وكذا الإصلاحات الجارية في أنظمة الصحة والحماية الاجتماعية تؤدي إلى فرض ضغوطات على النفقات العامة”، إلا أنه أشاد بـ”قدرة” اقتصاد المملكة ومؤسساتها على الصمود والمرونة؛ باعتبارهما خاصيّتيْن ميَّزَتا اقتصاد المغرب مؤخرا في منطقة “مينا”.

التقرير المعنون بـ”من الصمود إلى الرخاء المشترك “، الذي تتوفر النهار على نسخته الكاملة باللغة الإنجليزية، سجل بإيجابية “تمكُّن الحكومة المغربية من خفض عجز الموازنة (الميزانية) تدريجياً”. وأضاف أنه “على الرغم من أن العديد من الإصلاحات الطموحة تم تنفيذها بالفعل، فلا تزال هناك حاجة إلى نقلة نوعية لتمكين المرأة المغربية اقتصادياً”.

كسر القيود

اقترح التقرير أن يتم “تركيز هذا الجهد على قيود محدَّدة ما زالت تواجهها النساء المغربيات في سياقات مختلفة”، وهو ما أكدته فيديريكا مارزو، كبيرة الاقتصاديين لدى البنك الدولي بالمغرب مهتمة بإشكاليات الفقر، مع تسليط الضوء خاصة على قضايا النوع الاجتماعي.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;}

ويشمل ذلك، حسب إفادات مارزو، العمل في المناطق القروية/ الريفية المغربية على “حل مشاكل التنقل، وزيادة الشمول المالي والرقمي لتمكين المرأة من المشاركة في أنشطة إنتاجية خارج الأسرة”. أما في المناطق الحضرية (المدن) “حيثُ العمل مقابل الأجر أكثر انتشاراً”، فأوصى البنك الدولي وخبراؤه بصريح العبارة أنه “مِن الضروري تعزيز ظروف العمل الملائمة للنوع، مع وجوب معالجة القيود الشاملة، بما في ذلك توفير الفرص الاقتصادية، والحاجة إلى بيئة تمْكينية للمرأة لاغتنام هذه الفرص”.

وفي هذا الصدد نادت الخبيرة في قضايا الفقر والنوع الاجتماعي بمكتب المؤسسة المالية الدولية بالرباط بـ”المزيد من الإصلاحات القانونية، وتوفير خيارات مقبولة وبأسعار معقولة لرعاية الأطفال وحضاناتهم، لا سيما في سن صغيرة (أقل من 4 سنوات)، مشددة، في تفاعُل مع سؤال لجريدة النهار، على “تغيير الأعراف الاجتماعية التقليدية”، التي قالت إنها تشكل “العائق الأساس الأكبر أمام عدم تمكين فعلي للمرأة المغربية”، نافية أن “تكون تعاليم الشريعة في الإسلام عائقاً أمام حضور أكبر للنساء في سوق العمل بالمغرب لأن دولاً مثل السعودية رفعت نسبة المشاركة النسائية في العمل من حوالي 19 بالمائة إلى 36 بالمائة”.

فوائد عمل المرأة

“زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل (في المغرب) ستكون لها فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة”، يسجل تقرير البنك الدولي في ملخصه التنفيذي، قبل أن يستشهد بأن “الأدلة الدولية أبانت عن أن المساواة بين الجنسين ليست مجرد مسألة تتعلق بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، ولكنها أيضاً محرك قوي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية”.

وفي هذا السياق يشكل “ضُعف وتراجع معدل مشاركة المرأة في سوق العمل في المغرب فرصة كبيرة ضائعة وعائقاً أمام تعزيز النمو والناتج المحتمَل”.

ويقول خبراء مختصون، حضرت جريدة النهار لقاء نقاشيا معهم حول مضامين التقرير (نُظم الخميس)، إن “عمليات المحاكاة التي أجراها البنك الدولي تفيد أن تحقيق أهداف نموذج التنمية الجديد، المتمثلة في مشاركة المرأة في سوق العمل بنسبة 45 بالمائة، يمكن أن يزيد النمو بنحو نقطة مئوية واحدة سنوياً، وقد يقلل من عدم المساواة بمقدار نقطة إلى نقطتين حسب مؤشر جيني (Gini)”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة التمكين الاقتصادي للمرأة “ستكون لها تأثيرات جانبية أوسع نطاقا مثل زيادة الاستثمار في الرأسمال البشري على أطفال اليوم”.

التأثير على الأسر

مقابل تشديد مجموعة البنك الدولي بمنطقة “مينا” على “قدرة الصمود المغربية” أمام الأزمات التي امتدت من الأزمة الصحية إلى زلزال مناطق الأطلس الكبير (5 أقاليم)، يُلاحَظ أن “تلك الصدمات أثرت على الأسر”، واستدل البنك الدولي بمعدل البطالة الذي قارب 13,5 بالمائة، ومؤشر “ثقة الأسر” الذي يعيش خلال الأشهر الماضية أدنى مستوياته منذ 2008.

وقال التقرير بهذا الشأن: “لكن تأثيرات هذه الصدمات على الرفاهية المحلية تظل واضحة. إذ تستمر مؤشرات ثقة الأسر في التدهور ووصلت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، حيث أعلن 87.3 بالمائة من الأفراد، الذين شملهم الاستطلاع في الربع الثاني من عام 2023، أن نوعية حياتهم تدهورت خلال العام الماضي”.

إضافة إلى أن “نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي لم يَعُد بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، كما أن نصيبه من الإنفاق الاستهلاكي النهائي هو تقريبا ما كان عليه في عام 2019″، يورد التقرير، منبها إلى أن “الإحصاءات الإجمالية تخفي حقيقةَ أن تضخم أسعار الغذاء يؤثر بشكل غير متناسب على الفقراء والفئات الأكثر احتياجاً”.

وتابع “لا تزال نسبة كبيرة من الشباب مستبعدَةً من أسواق العمل مع انخفاض معدلات النشاط”، محيلاً بوضوح على مذكرة المندوبية السامية للتخطيط حول النشاط والبطالة برسم الفصل الثالث من 2023.

النمو دون الطموح

لقاء الكشف عن مضامين التقرير الجديد عن المغرب لم يخلُ من إشارات دالة بخصوص “معدل النمو السنوي”، الذي “ما زال دون المستوى الذي راهن عليه النموذج التنموي الجديد” (المحدد في 6 بالمائة سنويا) حسب خبراء البنك، الذين اعتبروا أن “الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب ضرورية لتحقيق الرخاء المأمول بشكل مشترك”.

حسم القطاع الخاص

خافيير دياز كاسو، كبير الاقتصاديين في مكتب مجموعة البنك الدولي بالمغرب، أثار الانتباه إلى أن “دور القطاع الخاص في الاقتصاد المغربي لم يَرْق بعدُ إلى مستوى الانتظارات”، مما يفرض “تذليل العقبات التنظيمية والمؤسساتية التي تحد من المنافسة وتعيق توجيه عوامل الإنتاج لفائدة المقاولات والقطاعات الأكثر إنتاجاً”.

كما شددت المؤسسة المالية الدولية على ضرورة “تغيير البراديغمات الحالية” على مستوى المعايير “بهدف ضمان تحقيق حضور وازن وفعّال للمغربيات في سوق العمل، مما يرفع نسب النمو تلقائياً”، ضاربة الأمثلة بـ”نماذج دول” مثل تركيا والسعودية ودول أمريكا الجنوبية.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News
زر الذهاب إلى الأعلى