ندوة بسطات تناقش إشكاليات الترجمة الأدبية

نظّم مختبر اللغات والفنون والعلوم الإنسانية لكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بجامعة الحسن الأول-سطات ندوة علمية دولية في موضوع “إشكاليات الترجمة الأدبية”، شارك فيها باحثون وباحثات من جامعات مغربية وأجنبية.

في الجلسة الافتتاحية التي نسق أشغالها الأستاذ إبراهيم أزوغ (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية-سطات)، أشار في بدايتها إلى أهمية الندوة في سياق دولي تتقلص فيه المساحات والحدود والاختلافات بين أممه وحضاراته. وفي كلمته، نوه رئيس جامعة الحسن الأول، الأستاذ عبد اللطيف مكرم، بأعمال الندوة، مؤكدا أهميتها في الدرس الجامعي. وشدد الأستاذ عبد القادر سبيل، عميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية -سطات، مرحبا بالمشاركين والباحثين والطلبة، على أن الكلية عقدت عشرات المحاضرات والورشات حول الترجمة، وأن هذه الندوة الأولى حول الترجمة الأدبية لها ما بعدها من ندوات أخرى حول أنواع الترجمة الأخرى.

وفي كلمة اللجنة العلمية وفريق عمل الندوة، أشار الأستاذ مراد الخطيبي (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية-سطات) إلى أن عدد المشاركات كان كبيرا ونوعيا، لكن تحكيم المقالات وما يقتضيه التنظيم فرض الاحتفاظ بما يقدم خلال أشغال الندوة، وأبرز أن الأعمال ستصدر في كتاب علمي محكم.

في المحاضرة الافتتاحية للندوة التي قدمها الأستاذ فريد الزاهي، أكد في بدايتها على أهمية الترجمان، ونوّه بأنه سيتحدث في محاضرته باعتباره ترجمانا. والترجمة في تصوره نوعان: ترجمة منصاعة تسلم نفسها للنص الأصلي ولا تملك سلطة لتكون ندّا له، وترجمة مفكرة تبدع وتضاهي النص الأصلي، وتحرره وتستعمل النص كامتلاك وتمنحه صوتا آخر وجسدا آخر، هي التي تولد الترجمان ككائن أمام وخلف وبجانب المؤلف. وإذا كانت الترجمة المفكرة تحرر النص الأصلي، فإن حرية الترجمان محكومة بأمرين؛ أولهما أنه لا يستسهل النص وسياقه، ثانيهما لا ترجمة بدون فهم أو تأويل، إذ لا يمكن فصل الفهم عن التأويل، لأنهما يشكلان حرية المترجم. وأكد أن الحديث عن الترجمة يعيدنا إلى تراثنا، فترجمان الأشواق لابن عربي يؤكد أن الترجمة ليست لسانية، بل هي سابقة على اللغة، وهي أمر يتجاوز اللغة. وأكد أيضا أن الترجمة تمارس الفهم باعتباره تأويلا، والتأويل يعني الرجوع إلى الأول. وشدد على أن العلاقة بين المترجم والنص ينبغي أن تكون علاقة محبة، فيمكن أن يقول المترجم “أنا النص والنص أنا” بلغة الحلاج.

في الجلسة الأولى التي سيّر أشغالها الأستاذ سعد بولحنان (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية-سطات) كانت المداخلة الأولى للأستاذة ماري إيفلين لوبودر (جامعة غرناطة-إسبانيا) حملت عنوان “الترجمة من العربية إلى الفرنسية للمجموعة القصصية القصيرة [أوان الرحيل] لعلي القاسمي:

وإشكالية التكافؤ الثقافي”، اعتمدت فيها منهجيا على مجموعة من نصوص اللغة المصدر ومن اللغة الهدف، مما يتيح إجراء تحليل مقارن، وذلك بغية التعرف على المرجعيات الثقافية العربية المتحركة في النص المصدر وتحليل الطريقة التي تم بها التعامل معها في النص الهدف، أولا من قبَل المترجم (متحدث اللغة العربية الأصلي) ثم من قبَل مراجع الترجمة (متحدث أصلي للغة الفرنسية ولا يعرف اللغة العربية)، محاوِلة الإجابة عن الأسئلة: ما هي الاستراتيجية التي تم اعتمادها؟ وما هي تقنيات الترجمة المستخدمة؟ هل تلبي توقعات الجمهور المستهدف الناطق بالفرنسية، علماً أن المجموعة القصصية سيتم نشرها عن طريق دار نشر باريسية؟

في مداخلته الموسومة بـ “إرهاصات المقارنة الأسلوبية في كتب تدريس الترجمة بالعالم العربي.. قراءة تحليلية في كتاب مدرسي”، بيّن الأستاذ حسن الطالب (جامعة ابن زهر-أكادير) في تحليله لكتاب “دراسة في أصول الترجمة”، للبناني جوزيف نعوم حجار، أن هذا الأخير منشغل في كتابه المدرسي بصرف متعلّم الترجمة عن الترجمة الحرفية وضرورة مراعاة صيغ التحويل بين اسم الصفة والموصوف أو تحول جمل فعلية في العربية إلى جمل اسمية أو العكس. وهو ما يستوجب معرفة عميقة بالقواعد النحوية العربية والفرنسية. ولذلك، تعد محاولته من بين أولى المحاولات الرائدة في تطبيق منهج المقارنة الأسلوبية، وإن في غياب الأطر المرجعية المباشرة لهذا التخصص في محاولته ممثلة في المقارنة الأسلوبية التي دشنها فيناي وداربلني في كتابهما السالف ذكره. كما أن عمله مفيد من نواح عديدة ويشتمل على مداخل مقارنة عديدة تغطي جوانب القواعد النحوية والبلاغية، وكل ذلك معزز بالعديد من الأمثلة في اللغتين، مع تذييل أقسام كتابه بتمارين ونصوص لاستظهار القواعد وتطبيقها مستقاة من نصوص كبار المؤلفين والكتاب في اللغتين.

بعده، قدم الأستاذ محمد مفضل (جامعة شعيب الدكالي-الجديدة) ورقة حملت عنوان “المقاربة التكافؤية للترجمة الأدبية: النص سابق على المنهج”، عرض فيها تحليلا لمقاربة ترجمة النصوص الأدبية، وخصوصا الرواية كجنس أدبي له مميزات خاصة، ويستلزم نوعا محددا من الترجمة تأخذ بعين الاعتبار النظرية الأدبية للرواية ودلالة النص كوحدة متكاملة وأسلوب السرد وآلياته، كما يعد الاطلاع على النظريات المتعددة للترجمة شرطا أساسيا لمقاربة عملية الترجمة، فبدون هذا الاطلاع، قد يقع المترجم في أخطاء منهجية ومفاهيمية، وقد ينتج ترجمات عفوية ذاتية، قد يكون مستواها جيدا لكنها لا تساهم في تطوير مجال الترجمة بطريقة واعية.

أما المتدخلة الرابعة الأستاذة نادية نوري (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية-سطات) فقد عنونت مداخلتها بـ “تدريس الترجمة الأدبية: دراسة من منظور المنهج اللغوي المعرفي”، بيّنت فيها عيوب الأساليب المبنية على الإحلال في تدريس الترجمة بشكل عام، والترجمة الأدبية بشكل خاص، وأبرزت الحاجة إلى تأسيس تدريس الترجمة الأدبية على الصوت كإطار نظري، مؤكدة أن منهج اللغويات المعرفية يجعل الترجمة الأدبية أكثر أهمية، حيث تكون الوحدات النّصية المعجمية الدلالية مجرد مؤشرات لبناء التكافؤ الدلالي المفاهيمي الديناميكي، إذ لا تكون وحدة الترجمة الأدبية هي الكلمات أو الجمل، ولكن يتم ترجمة النص بأكمله.

واختتمت الجلسة بمداخلة للطالبين الباحثين في سلك الدكتوراه خديجة بوعلام (جامعة ابن طفيل-القنيطرة) وعبد المجيد أوشن (جامعة الحسن الثاني-الدار البيضاء) بعنوان “الترجمة الأدبية كإعادة كتابة”، كشفت عن الطرق التي يتبعها المترجمون في إعادة الكتابة لنسج رباط يجمع اللغات والثقافات والقراء، وناقشت التكيف اللغوي الذي يستخدمه المترجمون للتوافق مع اصطلاحات اللغة الهدف مع الحفاظ على سلطة العمل الأصلي، ووضحت أنه عندما يقدم المترجمون مراجع وعلامات ثقافية، تصبح التعديلات أو التفسيرات التزاما بإنشاء صورة كاملة للأصل. وبالتالي، فإنه يثبت كميا أن اللغة التصويرية والتعبيرات الاصطلاحية تعزز صوت المؤلف، وأن إعادة الكتابة الإبداعية ضرورية لإعادة خلق الصفات الجمالية للعمل الأصلي. ولذلك هدفت المداخلة إلى توضيح الجانب المثير للجدل في الترجمة الأدبية الذي يجعلها نوعاً من التلاعب بالأصل لدى بعض المهتمين بالمجال من المتخصصين.

الجلسة الثانية ترأسها الأستاذ وديع بودربيلة (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية-سطات)، وقد افتتحت بورقة الأستاذ محمد بطاوي (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية-سطات) بعنوان “التفاوض حول الحدود الثقافية: معضلات الترجمة الثقافية في رواية [المترجم] لليلى أبو العلا”، تناول فيها الطرق التي تستكشف بها رواية ليلى أبو العلا، الموسومة بـ”المترجم”، موضوع الترجمة الثقافية بشكل معقد إلى حد ما، وتتعمق الرواية أكثر عند الحديث حول المعضلات والتعقيدات التي تنشأ عند التفاوض على الحدود الثقافية والتحديات التي تواجهها الشخصيات أثناء رحلاتها من مكان إلى مكان وما يصاحب ذلك من مشاكل ومعضلات مرتبطة بالفوارق الثقافية، من خلال تحليل دقيق لتجارب وتفاعلات الأبطال. وفحص محمد بطاوي الديناميات الدقيقة للترجمة الثقافية، مع التركيز على المعضلات التي تنشأ من اللغة والدين والاختلافات الثقافية، ومحاولة فهم أعمق للتعقيدات الكامنة في الترجمة الثقافية والمعضلات التي يواجهها الأفراد المشاركون فيها.

بعده، تدخّل الأستاذ عبد السلام البكري (جامعة شعيب الدكالي-الجديدة) بمداخلة حملت عنوان “استراتيجيات الترجمة.. تحليل التعبيرات الثقافية والمجازية في السيرة الذاتية لمالكولم إكس”، عالج فيها ترجمة السيرة الذاتية لمالكولم إكس مع إشارة محددة إلى اللغة التصويرية (الاستعارات) والتعبيرات المرتبطة بالثقافة. علاوة على ذلك، كشف الباحث عن مشاكل ترجمة المصطلحات الثقافية التي قد لا يكون لها ما يعادلها في اللغة العربية. وعلى المنوال نفسه، سعى إلى تحديد إلى أي مدى يتمكن المترجم من خلال تقنيات واستراتيجيات معينة من الاحتفاظ بالأسلوب الأدبي والبُعد الجمالي للغة المستخدمة في النص المصدر والحفاظ عليهما. وسلط الضوء على الاستراتيجيات المستخدمة في ترجمة السيرة الذاتية لمالكولم إكس وبحث في العوامل التي تلعب دورا مهما في ترجمة مثل هذه النصوص. وفي استكشاف هذه النقاط، ركز الباحث على أنواع التكافؤ واستراتيجيات الترجمة المستخدمة أثناء ترجمة هذه السيرة الذاتية.

تلاه الأستاذ عبد الكبير العلواني (جامعة القاضي عياض-مراكش) بمداخلة وسمها بـ”النقل الثقافي: رواية [الثعلب الذي يظهر ويختفي] لمحمد زفزاف نموذجا”، انطلاقا من تصور منظري الترجمة ما بعد الاستعمارية مثل لوفيير وفينوتي ونيرانجانا وسبيفاك وتفكيرهم في قضايا التمثيل واختلال توازن القوى والمقاومة التي ينطوي عليها التعامل مع الثقافة في الترجمة ضمن السياق الأنجلو أمريكي. تناول الباحث الترجمة الإنجليزية لرواية “الثعلب الذي يظهر ويختفي” للكاتب محمد زفزاف، التي أنجزها مبارك السريفي وروجر ألين (Roger Allen)، وحاول الإجابة عن الأسئلة التالية: ما هي الآليات المستخدمة في عملية ترجمة الرواية؟ ما هي استراتيجية الترجمة السائدة؟ هل يمكن أن تكون هناك استراتيجية وسطية؟ هل تم نقل الرؤية العالمية للرواية بشكل كافٍ؟

وأنهيت أشغال هذه الجلسة بورقة الأستاذة رنا البوطي (جامعة القاهرة-مصر) بعنوان “الترجمة واللغة والتشابكات الثقافية في رواية أهداف سويف [خريطة الحب] وترجمتها العربية”، قدمت لها بالحديث عن الاستراتيجيات التي يستخدمها المترجمون للحفاظ على (أو تجاهل) الطبيعة متعددة اللغات للنص في الترجمة الأدبية. وتنولت الطبيعة الترجمية لرواية أهداف سويف “The map of love” (خريطة الحب) (1997) الصادرة باللغة الإنجليزية، من خلال فحص طبيعة النص العبر-لغوية والتركيز على أغراض تبديل الرموز والتشابكات اللغوية بين اللغتين العربية والإنجليزية التي يتصدّرها السرد. كما حللت استخدامات المسرد في نص أدبي ثنائي اللغة حيث كان بإمكان المؤلف ببساطة ترك كلمات اللغة الأجنبية (في هذه الحالة، كلمات اللغة العربية) كما هي ليتمكّن القارئ من استنتاج معناها من السياق. ومن خلال تحليل مجموعة مختارة من الأمثلة في السياق الأوسع للرواية وترجمتها العربية، وضحت الباحثة كيف أن ترجمة الرواية تحجب التشابك اللغوي الذي تضفي عليه سويف الحياة بشكل واضح.

في الجلسة الثالثة التي ترأسها الأستاذ محمد مفضل (جامعة شعيب الدكالي-الجديدة) كانت الورقة الأولى للأستاذة ثريا وقاص (جامعة شعيب الدكالي-الجديدة) بعنوان “الهوامش السفلية للمترجم، في ثلاثية نجيب محفوظ، كملتقى للثقافات”، مؤكدة أن التّرجمة يمكن النظر إليها باعتبارها ملتقى للثقافات، كما أن فضاء الترجمة مرن يتم التفاوض عليه بين مختلف الجهات الفاعلة: المؤلف، والمترجم، والمرسل إليه، وما إلى ذلك. ورأت الباحثة أن هذه المساحة لا يمكن أن تكون إلا مقدمة وملاحظات المترجم. وحاولت الإجابة على الأسئلة التالية: كيف تسهل هذه المقدمات والهوامش السفلية للمترجم فهم ثلاثية نجيب محفوظ، باعتباره نصا ذا حمولات ثقافية خاصة؟ كيف يدعم المترجم اللقاء بين الثقافتين العربية والفرنسية؟

أما الأستاذ أحمد الكمون (جامعة محمد الأول-وجدة) فقد عنون مداخلته بـ”إشكالية ترجمة القصيدة الشعرية عندما يزاوج الشاعر بين التعبير اللغوي والتشكيلي”، توخّى فيها قراءة مقارنة بين نماذج من أعمال الشاعرين الفرنسي Guillaume Apollinaire (1880_1918) والإسباني Federico Garcia Lorca (1898-1936) باعتبارهما يمارسان التشكيل إلى جانب الإبداع الشعري. وقد تكون القصيدة الشعرية جزءا من العمل التشكيلي وخاضعة لمدلول اللوحة البصرية، وقد يكون الجانب اللغوي منفصلا عن التشكيلي ولكن يحيل كل منهما على الآخر ويساهم في تفسيره وفك رموزه لوحدة الرؤية عند كل مبدع. وهذا يطرح إشكالية كبرى أمام المترجم، إذ يتوجّب عليه أن يكون ملمّا بالجانبين للغوص في أغوار القصيدة دون الإخلال بأحد منهما. واعتمد في قراءته بالأساس على المقاربة البلاغية والسيميائية للموضوع المقترح.

بعده، تدخّل الأستاذ عبد الحق بوعزة (جامعة سايس-فاس) بورقة حملت عنوان “الشعر العربي القديم من الاستشراق إلى الترجمة”، ركّز فيها على جمع ومقارنة النسخ الفرنسية لنفس القصائد العربية التي ترجمها العديد من المترجمين المستشرقين مثل أندريه ميكيل، وجاك بيرك، وبيير لارشر، وجان جاك شميدت، ليبيّن من خلال حالات محددة أن الشعر القديم يحمل نصيبه من عدم قابلية الترجمة بسبب طبيعته الفطرية والعفوية، أولا، بفعل خصائص اللغة العربية، وثانيا، في البيئة الجغرافية التي ولد فيها. وأكد أنه لا ينبغي أن يكون مفاجئا أن طرق قول الأشياء لا تتوافق أبدًا معا بنفس الطريقة في اللغات المختلفة، لأنه أثناء عملية النقل، يكون هناك فُقدان كبير لكلّ من المعنى الدلالي والعروضي، لذلك يمكّننا التأكد من أن كل لغَة لها نصيبُها من العبقرية، التي تكمُن في ما لا يُضاهى، ولا يُمكن وصْفه، وما لا يُمكن ترجمتُه.

أما الأستاذ يونس الزوين (الكلية متعددة التخصّصات-تازة) فقدّم ورقة حملت عنوان “ترجمة الاقتباس المحوّل في المجموعة “قضية سروال الدسوكين الغريبة” لفؤاد العروي: عمليات ووظائف ونقْل”، انطلق فيها من التأكيد على تعقيد ممارسة الاقتباس الذي تطرحه ترجمة فؤاد العروي. وللتّحليل نقل الاقتباسات المحوّلة، انطلق يونس الزوين من ترجمته لكتاب “قضية سروال الدسوكين الغريبة” الصادرة سنة 2018. واستناداً إلى التأمل في حالة الاقتباسات المراوغة في قصص العروي، سعى إلى تحديد أكثرها تكراراً عمليات التحويل وتحديد وظائفها، قبل التفكير في طرق الترجمة التي مكنته من التغلب على صعوبات الترجمة ومزالقها.

من جانبه، قدّم الأستاذ عياد الحيان (جامعة ابن زهر-أكادير) ورقة حملت عنوان “الترجمة الأدبية لرواية تاورجيت دإيميك إلى الفرنسية دراسة مقارنة” انطلق فيها من التأكيد على أن دراسة أي ترجمة أدبية نتيجة لعملية نقل المعنى لا تقل أهمية وتظل ضرورية لفهم هذا المقطع. ومن هنا تأتي أهمية الدراسات المقارنة في وصف هذه الفقرات وتطوير ممارسة الترجمة. ومن هذا المنطلق، تم إجراء دراسته لترجمة “Un youyou dans la mosquée” لحسن ناشف ونصها الأصلي “tawargit imikk” لمحمد أكوناد، باستخدام المنهج التقابلي القائم على مقارنة بنيات المصدر والهدف، بهدف تحديد نقاط الالتقاء والاختلاف بين النصين، وكذلك الاستراتيجيات الترجمية التي يعتمدها المترجم في نقل المعنى.

واختتمت الجلسة بورقة للأستاذ مراد الخطيبي (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية-سطات) عنونها بـ “ترجمة الشعر باعتبارها عملية إبداعية: ديوان [ما لم يقل بيننا] لفتيحة مرشد نموذجا”، قارن فيها بين النسخة العربية للمجموعة الشعرية الموسومة بـ”ما لم يقل بيننا”، للشاعرة المغربية فتيحة مرشد، وترجمتها الإنجليزية المقترحة من قبل الشاعر والمترجم نور الدين الزويتني، وذلك بهدف معرفة إلى أي مدى نجحت الترجمة الإنجليزية في تأكيد الجوهر الفني للنص الأصلي والحفاظ عليه. علاوة على ذلك، تناول الاستراتيجيات الرئيسية المستخدمة في تلك الترجمات. وقد تمّ استخلاص البيانات من 50 مقطعا شعريا تم اختيارها بشكل عشوائي من تلك الترجمات. وبالاعتماد على تقنيات الترجمة لفيناي ودرابيلني (1958) وعلى المنهج البنيوي، كشفت الدّراسة أن الترجمة الإنجليزية نجحت في الحفاظ على القيمة الجمالية للنص المصدر. ووفقاً للدّراسة، فقد كان المُترجم مبدعاً للغاية بشكل رئيسي على مُستوى اللّغة التي استخدمها وعلى مستوى استراتيجيات وتقنيات التّرجمة التي اختارها. وشكلت الترجمة الحرفية أهمّ الاستراتيجيات التي اعتمدها المترجم. ووضحت الدّراسة أن التّرجمة الحرفية لا يُمكن اعتبارها دائما ترجمة عاجزة عن تحقيق المعنى والأثر في عملية الترجمة.

في الجلسة الرابعة التي ترأسها الأستاذ إدريس ولد الحاج (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية-سطات) قدّم الأستاذ حميد المبروكي (جامعة محمد بن عبد الله-فاس) مداخلة اختار لها عنوان “تجسير الفجوة أم تعزيز الانقسام: دراسة لترجمة رواية [عام الفيل] إلى الإنجليزية وجوانبها التحريفية”، انطلق فيها من الصعوبات والتعقيدات التي يواجهها بعض المترجمين الغربيين في التقاط ونقل تعقيدات الأعمال الأجنبية بدقة على المستويين النصي والثقافي. وأكد أن مداخلته تهدف إلى دراسة جوانب عدم الدقة في ترجمة رواية “عام الفيل”، للأديبة المغربية ليلى أبو زيد، من اللغة العربية إلى الإنجليزية. وبالاعتماد على مفكرين كبار مثل غاياتري سبيفاك، لورانس فينوتي وأنطوان بيرمان، أجرى الباحث مقارنة نقدية بين النّصين الأصلي والمترجم بهدف تحديد جوانب التحريف في النسخة المترجمة إلى الإنجليزية، وكشف عن وجود نمط تدخل نصي واضح للمترجمة الأمريكية من خلال إضافة وتكبير وحذف وإعادة ترتيب عناصر نصية بهدف إبراز أو كتم جوانب معينة من النص الأصلي.

بعده، جاءت مداخلة الأستاذ محمد يعو والباحث خالد لحببيي (جامعة شعيب الدكالي-الجديدة) الموسومة بـ “مقاربة وظيفية لترجمة أسماء الأعلام في أدب الأطفال من الإنجليزية إلى العربية: مغامرة بريكلي بوركي لثورنتون دبليو برجس نموذجا”، بالاعتماد على التماسك بين النص وداخل النص لنظرية الهدف “Skopos”، حاولت المداخلة إظهار كيف يوازن المترجم بين المبدأين في ترجمة أسماء الأعلام. وإجمالا، تم الاعتماد على 82 اسم علم في تحليل البيانات. من بين مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التي اقترحها Van Coillie (2006)، اعتمدت المداخلة خمس استراتيجيات لتصنيف أسماء الأعلام، تشمل الاستنساخ، والتكييف الصوتي أو الصرفي، والترجمة الحرفية، والترجمة بالزيادة، والحذف. وقد خلصت المداخلة إلى أن هذه الاستراتيجيات مفيدة جدا في خدمة غرض تحقيق التوازن والتماسك بين النصوص وداخلها.

وفي ورقة الباحثين أسماء الخيمي (جامعة محمد الخامس-الرباط) وكمال الهاشمي (جامعة الحسن الثاني-الدار البيضاء) التي حملت عنوان “في ترجمة [طوق الحمامة] إلى الإسبانية: تحليل ثقافي ترجمي للمسكوكات ذات البعد الروحي في ترجمة غارسيا غوميز”، تم تقديم نقد تحليل ثقافي-ترجمي شامل يركز على الأبعاد الروحية في الترجمة إلى الإسبانية لكتاب “طوق الحمامة” لابن حزم، التي أنجزها غارسيا غوميز. ركز التحليل بشكل خاص على الفصل 29، الموسوم بـ “قبح المعصية”، حيث يتم التعرف على هذه العناصر الثقافية وتصنيفها. يتعلق الأمر بدراسة تفصيلية للاختيارات الترجمية التي اعتمدها المترجم، مع الأخذ بعين الاعتبار الأهمية السيميائية لهذه المسكوكات، والتقارب الثقافي بين ثقافتي الأصل والهدف. وسلطت الورقة الضوء على الصعوبات الملحوظة الكامنة في ترجمة المسكوكات الثقافية المرتبطة بأسماء الله الحسنى، وكذا الظواهر النفسية والروحية والمعتقدات. كما تم التأكيد على الحاجة الملحة للحفاظ على الأصالة الجمالية والثقافية للنص الأدبي كما هي في اللغة الأصل، مع الحفاظ بعناية على الفروق الثقافية للمفاهيم الروحية طوال عملية الترجمة.

واختتمت الجلسة بورقة للأستاذ الوراد بوسلهام (جامعة محمد الخامس-الرباط) حملت عنوان “الترجمة من الإسبانية إلى العربية للمعجم البيروفي الخاص في رواية “ليتوما في جبال الأنديز” لماريو فارغاس يوسا”، رام فيها الباحث مقاربة الترجمة من الإسبانية الأمريكية اللاتينية إلى العربية، من خلال النظر إلى ما يُعرف بـ”المعجم البيروفي الخاص” باعتباره، قبل كل شيء، اختلافا لغويا، من منظور علم الترجمة، ممّا يستدعي تفسيرا موضوعيا واستثمارا دقيقا لمهارات علم الترجمة الإبداعي. وقام بتحليل بعض الأمثلة المأخوذة من الترجمة إلى اللغة العربية لرواية “ليتوما في جبال الأنديز” (1993) للروائي ماريو فارغاس يوسا، التي أنجزها المترجم السوري صالح علماني (2009)، ليعاين تحليليا كيف عالج الأخير تحدي الاختلاف اللغوي.

وفي الجلسة الختامية لهذه الندوة الدولية، نوّه الأستاذ بوشعيب الساوري (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية-سطات) بنجاحها الذي يعود الفضل فيه إلى جهود اللجنة التنظيمية، على رأسها عميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، الأستاذ عبد القادر سبيل، والطاقم الإداري. ونوه أيضا بالمجهود العلمي الذي بذلته اللجنة العلمية للندوة في تفانيها في تحكيم المقالات العلمية للمشاركين، وأكد في ختام كلمته أن أشغال الندوة ستنشر في كتاب في منتصف سنة 2024.

Exit mobile version